السادسة : يظهر من هذه الآية أنه سبحانه خلق الأرض قبل السماء ، وكذلك في " حم السجدة " . وقال في النازعات :
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها فوصف خلقها ، ثم قال :
والأرض بعد ذلك دحاها . فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض ، وقال تعالى
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وهذا قول
قتادة : إن السماء خلقت أولا ، حكاه عنه
الطبري . وقال
مجاهد وغيره من المفسرين : إنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه فجعله أرضا وثار منه دخان فارتفع ، فجعله سماء فصار خلق الأرض قبل خلق السماء ، ثم قصد أمره إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وكانت إذ خلقها غير مدحوة .
قلت : وقول
قتادة يخرج على وجه صحيح إن شاء الله تعالى ، وهو أن الله تعالى خلق أولا دخان السماء ثم خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها ، ثم دحا الأرض بعد ذلك .
ومما يدل على أن
الدخان خلق أولا قبل الأرض ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح عن
ابن عباس ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17058مرة الهمداني عن
ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل :
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء ، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء ، فسما عليه ، فسماه سماء ، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين ، في الأحد والاثنين . فجعل الأرض على حوت - والحوت هو النون الذي ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن بقوله : ن والقلم - والحوت في الماء والماء على صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على الصخرة ، والصخرة في الريح - وهي الصخرة التي ذكر لقمان : ليست في السماء ولا في الأرض - فتحرك الحوت فاضطرب ، فتزلزلت الأرض ، فأرسل عليها
[ ص: 244 ] الجبال فقرت ، فالجبال تفخر على الأرض ، وذلك قوله تعالى :
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وخلق الجبال فيها ، وأقوات أهلها وشجرها ، وما ينبغي لها في يومين ، في الثلاثاء والأربعاء ، وذلك حين يقول :
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين يقول : من سأل فهكذا الأمر ،
ثم استوى إلى السماء وهي دخان وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، فجعلها سماء واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين ، في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة ; لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ،
وأوحى في كل سماء أمرها قال : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين . فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش ، قال فذلك حين يقول :
خلق السماوات والأرض في ستة أيام ويقول :
كانتا رتقا ففتقناهما وذكر القصة في خلق
آدم عليه السلام ، على ما يأتي بيانه في هذه السورة إن شاء الله تعالى .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
الأعمش عن
nindex.php?page=showalam&ids=12062أبي ظبيان عن
ابن عباس قال : (
إن أول ما خلق الله عز وجل من شيء " القلم " فقال له : اكتب . فقال : يا رب ، وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر . فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة . قال : ثم خلق النون فدحا الأرض عليها ، فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات ، واضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، فإن الجبال تفخر على الأرض إلى يوم القيامة . ) ففي هذه الرواية خلق الأرض قبل ارتفاع بخار الماء الذي هو الدخان ، خلاف الرواية الأولى . والرواية الأولى عنه وعن غيره أولى ، لقوله تعالى :
والأرض بعد ذلك دحاها والله أعلم بما فعل ، فقد اختلفت فيه الأقاويل ، وليس للاجتهاد فيه مدخل .
وذكر
أبو نعيم عن
كعب الأحبار أن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض كلها ، فألقى في قلبه ، فقال : هل تدري ما على ظهرك يا لوثيا من الأمم والشجر والدواب
[ ص: 245 ] والناس والجبال ؟ لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع . قال : فهم لوثيا بفعل ذلك ، فبعث الله دابة فدخلت في منخره ، فعج إلى الله فخرجت . قال
كعب : والذي نفسي بيده ، إنه لينظر إليها بين يديه وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت حيث كانت .