[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يس
وهي مكية بإجماع . وهي ثلاث وثمانون آية ، إلا أن فرقة قالت : إن
قوله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم نزلت في
بني سلمة من
الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم ، وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، على ما يأتي . وفي كتاب
أبي داود عن
معقل بن يسار قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830960اقرءوا يس على موتاكم . وذكر
الآجري من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12328أم الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه . وفي مسند
الدارمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830961من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة خرجه
أبو نعيم الحافظ أيضا . وروى
الترمذي عن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=830962إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن يس ، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات قال : هذا حديث غريب ، وفي إسناده
هارون أبو محمد شيخ مجهول ; وفي الباب
[ ص: 4 ] عن
أبي بكر الصديق ، ولا يصح حديث
أبي بكر من قبل إسناده ، وإسناده ضعيف . وعن
عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
إن في القرآن لسورة تشفع لقرائها ويغفر لمستمعها ، ألا وهي سورة يس ، تدعى في التوراة المعمة . قيل : يا رسول الله وما المعمة ؟ قال : تعم صاحبها بخير الدنيا ، وتدفع عنه أهاويل الآخرة ، وتدعى الدافعة والقاضية ، قيل : يا رسول الله وكيف ذلك ؟ قال : تدفع عن صاحبها كل سوء ، وتقضي له كل حاجة ، ومن قرأها عدلت له عشرين حجة ، ومن سمعها كانت له كألف دينار تصدق بها في سبيل الله ، ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف رحمة وألف رأفة وألف هدى ، ونزع عنه كل داء وغل . ذكره
الثعلبي من حديث
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14155والترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث
أبي بكر الصديق رضي الله عنه مسندا .
وفي مسند
الدارمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب قال : قال
ابن عباس : من قرأ " يس " حين يصبح أعطي يسر يومه حتى يمسي ، ومن قرأها في صدر ليلته أعطي يسر ليلته حتى يصبح . وذكر
النحاس عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لكل شيء قلب ، وقلب القرآن يس ، من قرأها نهارا كفي همه ، ومن قرأها ليلا غفر ذنبه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب : يقرأ أهل الجنة " طه " و " يس " فقط . رفع هذه الأخبار الثلاثة
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي فقال : روى
الضحاك عن
ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864753إن لكل شيء قلبا ، وإن قلب القرآن يس ، ومن قرأها في ليلة أعطي يسر تلك الليلة ، ومن قرأها في يوم أعطي يسر ذلك اليوم ، وإن أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فلا يقرءون شيئا إلا طه ويس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير : بلغني أن من قرأ سورة " يس " ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح ، ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي ; وقد حدثني من جربها ; ذكره
الثعلبي وابن عطية ، قال
ابن عطية : ويصدق ذلك التجربة . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن
عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن الصلت عن
عمر بن ثابت عن
محمد بن مروان عن
أبي جعفر قال : من وجد في قلبه قساوة فليكتب " يس " في جام بزعفران ثم يشربه ; حدثني أبي - رحمه الله - قال : حدثنا
أصرم بن حوشب ، عن
بقية بن الوليد ، عن
المعتمر بن أشرف ، عن
محمد بن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864754القرآن أفضل من كل شيء دون الله ، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ، فمن وقر القرآن فقد وقر الله ، [ ص: 5 ] ومن لم يوقر القرآن لم يوقر الله ، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده . القرآن شافع مشفع ، وماحل مصدق ، فمن شفع له القرآن شفع ، ومن محل به القرآن صدق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار . وحملة القرآن هم المحفوفون بحرمة الله ، الملبسون نور الله ، المعلمون كلام الله ، من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عادى الله ، يقول الله تعالى : يا حملة القرآن استجيبوا لربكم بتوقير كتابه يزدكم حبا ويحببكم إلى عباده ، يدفع عن مستمع القرآن بلوى الدنيا ، ويدفع عن تالي القرآن بلوى الآخرة . ومن استمع آية من كتاب الله كان له أفضل مما تحت العرش إلى التخوم ، وإن في كتاب الله لسورة تدعى العزيزة ، ويدعى صاحبها الشريف يوم القيامة ، تشفع لصاحبها في أكثر من ربيعة ومضر ، وهي سورة يس .
وذكر
الثعلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
من قرأ سورة يس ليلة الجمعة أصبح مغفورا له . وعن
أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ ، وكان له بعدد حروفها حسنات . بسم الله الرحمن الرحيم
يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم .
قوله تعالى : يس في يس أوجه من القراءات : قرأ
أهل المدينة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي يس والقرآن الحكيم بإدغام النون في الواو . وقرأ
أبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وحمزة " يسن " بإظهار النون . وقرأ
عيسى بن عمر " يسن " بنصب النون . وقرأ
ابن عباس وابن أبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=14301ونصر بن عاصم " يسن " بالكسر . وقرأ
هارون الأعور ومحمد بن السميقع " يسن " بضم النون ; فهذه
[ ص: 6 ] خمس قراءات . القراءة الأولى بالإدغام على ما يجب في العربية ; لأن النون تدغم في الواو . ومن بين قال : سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها ، وإنما يكون الإدغام في الإدراج . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه النصب وجعله من جهتين : إحداهما أن يكون مفعولا ولا يصرفه ; لأنه عنده اسم أعجمي بمنزلة
هابيل ، والتقدير : اذكر يسين . وجعله
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه اسما للسورة . وقوله الآخر أن يكون مبنيا على الفتح مثل كيف وأين . وأما الكسر فزعم
الفراء أنه مشبه بقول العرب : جير لا أفعل ، فعلى هذا يكون " يسن " قسما . وقاله
ابن عباس . وقيل : مشبه بأمس وحذام وهؤلاء ورقاش . وأما الضم فمشبه بمنذ وحيث وقط ، وبالمنادى المفرد إذا قلت : يا رجل ، لمن يقف عليه . قال
ابن السميقع وهارون : وقد جاء في تفسيرها : يا رجل ، فالأولى بها الضم . قال
ابن الأنباري : " يس " وقف حسن لمن قال هو افتتاح للسورة . ومن قال : معنى " يس " يا رجل لم يقف عليه . وروي عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وغيرهما أن معناه : يا إنسان ، وقالوا في قوله تعالى :
سلام على إل ياسين أي على آل
محمد . وقال
سعيد بن جبير : هو اسم من أسماء
محمد صلى الله عليه وسلم ، ودليله :
إنك لمن المرسلين . قال
السيد الحميري :
يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة على المودة إلا آل ياسين
وقال
أبو بكر الوراق : معناه يا سيد البشر . وقيل : إنه اسم من أسماء الله ; قال
مالك : روى عنه
أشهب قال : سألته : هل ينبغي لأحد أن يتسمى بياسين ؟ قال : ما أراه ينبغي ؛ لقول الله : يس والقرآن الحكيم ، يقول : هذا اسمي يس . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : هذا كلام بديع ، وذلك أن العبد يجوز له أن يتسمى باسم الرب إذا كان فيه معنى منه ; كقوله : عالم وقادر ومريد ومتكلم . وإنما منع
مالك من التسمية ب ( يسين ) ; لأنه اسم من أسماء الله لا يدرى معناه ; فربما كان معناه ينفرد به الرب فلا يجوز أن يقدم عليه العبد . فإن قيل : فقد قال الله تعالى :
سلام على إل ياسين قلنا : ذلك مكتوب بهجاء فتجوز التسمية به ، وهذا الذي ليس بمتهجى هو الذي تكلم مالك عليه ; لما فيه من الإشكال ، والله أعلم .
وقال بعض العلماء : افتتح الله هذه السورة بالياء والسين ، وفيهما مجمع الخير ، ودل المفتتح على أنه قلب ، والقلب أمير على الجسد ، وكذلك يس أمير على سائر السور ، مشتمل على جميع القرآن . ثم اختلفوا فيه أيضا ، فقال
سعيد بن جبير وعكرمة : هو بلغة
الحبشة . وقال
الشعبي : هو بلغة
طي .
الحسن : بلغة
كلب .
الكلبي : هو بالسريانية فتكلمت به العرب فصار من لغتهم . وقد مضى هذا المعنى في ( طه )
[ ص: 7 ] وفي مقدمة الكتاب مستوفى . وقد سرد
القاضي عياض أقوال المفسرين في معنى يس ، فحكى
أبو محمد مكي أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
لي عند ربي عشرة أسماء ، ذكر أن منها طه ويس اسمان له .
قلت : وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عن
علي - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
إن الله تعالى أسماني في القرآن سبعة أسماء : محمد ، وأحمد ، وطه ، ويس ، والمزمل ، والمدثر ، وعبد الله قاله القاضي . وحكى
أبو عبد الرحمن السلمي عن
جعفر الصادق أنه أراد يا سيد ، مخاطبة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وعن
ابن عباس : يس : يا إنسان ، أراد
محمدا صلى الله عليه وسلم . وقال : هو قسم وهو من أسماء الله سبحانه . وقال
الزجاج : قيل : معناه يا
محمد ، وقيل : يا رجل ، وقيل : يا إنسان . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية : يس يا
محمد . وعن
كعب :
يس قسم أقسم الله به قبل أن يخلق السماء والأرض بألفي عام . قال : يا
محمد :
إنك لمن المرسلين ثم قال :
والقرآن الحكيم . فإن قدر أنه من أسمائه - صلى الله عليه وسلم ، وصح فيه أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ، ويؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه ، وإن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته .
أقسم الله تعالى باسمه وكتابه إنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، وعلى صراط مستقيم من إيمانه ، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق . قال
النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ، وفيه من تعظيمه وتمجيده على تأويل من قال إنه يا سيد ما فيه ، وقد قال - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830964أنا سيد ولد آدم انتهى كلامه . وحكى
القشيري قال
ابن عباس : قالت كفار
قريش لست مرسلا ، وما أرسلك الله إلينا ، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن
محمدا من المرسلين .
والحكيم : المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ، كما قال :
أحكمت آياته . وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل . وقد يكون الحكيم في حق الله بمعنى المحكم ، بكسر الكاف ، كالأليم بمعنى المؤلم .
و
على صراط مستقيم أي دين مستقيم وهو الإسلام . وقال
الزجاج : على طريق الأنبياء الذين تقدموك ، وقال : " إنك لمن المرسلين " خبر إن ، و " على صراط مستقيم " خبر ثان ، أي إنك لمن المرسلين ، وإنك على صراط مستقيم . وقيل : المعنى لمن المرسلين على استقامة ، فيكون قوله : على صراط مستقيم من صلة المرسلين ، أي إنك لمن المرسلين الذين
[ ص: 8 ] أرسلوا على طريقة مستقيمة ، كقوله تعالى :
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله أي الصراط الذي أمر الله به .
قوله تعالى : تنزيل العزيز الرحيم قرأ
ابن عامر وحفص nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ويحيى وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف : " تنزيل " بنصب اللام على المصدر ، أي نزل الله ذلك تنزيلا . وأضاف المصدر فصار معرفة ، كقوله :
فضرب الرقاب أي فضربا للرقاب . الباقون " تنزيل " بالرفع على خبر ابتداء محذوف ، أي هو تنزيل ، أو الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم . هذا وقرئ : " تنزيل " بالجر على البدل من " القرآن " والتنزيل يرجع إلى القرآن . وقيل : إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي إنك لمن المرسلين ، وإنك تنزيل العزيز الرحيم . فالتنزيل على هذا بمعنى الإرسال ، قال الله تعالى :
قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم ويقال : أرسل الله المطر وأنزله بمعنى .
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة الله أنزلها من السماء . ومن نصب قال : إنك لمن المرسلين إرسالا من العزيز الرحيم . و " العزيز " : المنتقم ممن خالفه ، " الرحيم " : بأهل طاعته .