قوله تعالى : أفما نحن بميتين وقرئ " بمائتين " والهمزة في " أفما " للاستفهام ، دخلت على فاء العطف ، والمعطوف محذوف ، معناه أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين ولا معذبين .
إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين يكون استثناء ليس من الأول ويكون مصدرا ; لأنه منعوت . وهو من قول أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت ، ويقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت . وقيل : هو من قول المؤمن على جهة الحديث بنعمة الله في أنهم لا يموتون ولا يعذبون ، أي : هذه حالنا وصفتنا . وقيل : هو من قول المؤمن توبيخا للكافر لما كان ينكره من البعث ، وأنه ليس إلا الموت في الدنيا . ثم قال المؤمن مشيرا إلى ما هو فيه
إن هذا لهو الفوز العظيم يكون " هو " مبتدأ وما بعده خبر عنه ، والجملة خبر إن . ويجوز أن يكون " هو " فاصلا .
لمثل هذا فليعمل العاملون يحتمل أن يكون من كلام المؤمن لما رأى ما أعد الله له في الجنة وما أعطاه قال : لمثل هذا العطاء والفضل فليعمل العاملون نظير ما قال له الكافر :
أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ويحتمل أن يكون من قول الملائكة . وقيل : هو من قول الله - عز وجل - لأهل الدنيا ، أي : قد سمعتم ما في الجنة من الخيرات والجزاء ، و " لمثل هذا " الجزاء
فليعمل العاملون .
النحاس : وتقدير الكلام - والله أعلم - فليعمل العاملون لمثل هذا . فإن قال قائل : الفاء في العربية تدل على أن الثاني بعد الأول ، فكيف صار ما بعدها ينوى به التقديم ؟ فالجواب : أن التقديم كمثل التأخير ; لأن حق حروف الخفض وما بعدها أن تكون متأخرة .