قوله تعالى :
فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون [ ص: 86 ] قوله تعالى :
فراغ إلى آلهتهم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ذهب إليهم . وقال
أبو مالك : جاء إليهم . وقال
قتادة : مال إليهم . وقال
الكلبي : أقبل عليهم . وقيل : عدل . والمعنى متقارب . فراغ يروغ روغا وروغانا إذا مال . وطريق رائغ أي : مائل . وقال الشاعر :
ويريك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
فقال : ألا تأكلون فخاطبها كما يخاطب من يعقل ; لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة . وكذا قيل : كان بين يدي الأصنام طعام تركوه ليأكلوه إذا رجعوا من العيد ، وإنما تركوه لتصيبه بركة أصنامهم بزعمهم . وقيل : تركوه للسدنة . وقيل : قرب هو إليها طعاما على جهة الاستهزاء ، فقال : ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون . " فراغ عليهم ضربا باليمين " خص الضرب باليمين لأنها أقوى ، والضرب بها أشد ، قال
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس . وقيل : المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال :
وتالله لأكيدن أصنامكم وقال
الفراء وثعلب : ضربا بالقوة ، واليمين : القوة . وقيل : بالعدل ، واليمين هاهنا العدل . ومنه قوله تعالى :
ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين أي : بالعدل ، فالعدل لليمين والجور للشمال . ألا ترى أن العدو عن الشمال ، والمعاصي عن الشمال ، والطاعة عن اليمين ، ولذلك قال :
إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين أي : من قبل الطاعة . فاليمين هو موضع العدل من المسلم ، والشمال موضع الجور . ألا ترى أنه بايع الله بيمينه يوم الميثاق ، فالبيعة باليمين ، فلذلك يعطى كتابه غدا بيمينه ; لأنه وفى بالبيعة ، ويعطى الناكث للبيعة الهارب برقبته من الله بشماله ; لأن الجور هناك . فقوله :
فراغ عليهم ضربا باليمين أي : بذلك العدل الذي كان بايع الله عليه يوم الميثاق ثم وفى له هاهنا . فجعل تلك الأوثان جذاذا ، أي : فتاتا كالجذيذة وهي السويق ، وليس من قبيل القوة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم فأقبلوا إليه يزفون قرأ
حمزة " يزفون " بضم الياء . الباقون بفتحها . أي : يسرعون ، قاله
ابن زيد .
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : يمشون . وقيل : المعنى يمشون بجمعهم على مهل آمنين أن يصيب أحد آلهتهم بسوء . وقيل : المعنى يتسللون تسللا بين المشي والعدو ، ومنه زفيف النعامة . وقال
الضحاك : يسعون . وحكى
يحيى بن سلام : يرعدون غضبا . وقيل : يختالون وهو مشي الخيلاء ، قاله
مجاهد . ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
وجاء قريع الشول قبل إفالها يزف وجاءت خلفه وهي زفف
[ ص: 87 ] ومن قرأ : " يزفون " فمعناه يزفون غيرهم أي : يحملونهم على التزفيف . وعلى هذا فالمفعول محذوف . قال
الأصمعي : أزففت الإبل أي : حملتها على أن تزف . وقيل : هما لغتان . يقال : زف القوم وأزفوا ، وزففت العروس وأزففتها وازدففتها بمعنى ، والمزفة : المحفة التي تزف فيها العروس ، حكى ذلك عن
الخليل النحاس : " يزفون " بضم الياء . زعم
أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة ، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم
الفراء وشبهها بقولهم : أطردت الرجل أي : صيرته إلى ذلك . وطردته نحيته ، وأنشد [
للمخبل السعدي ] هو وغيره :
تمنى حصين أن يسود جذاعة فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
أي : صير إلى ذلك ، فكذلك " يزفون " يصيرون إلى الزفيف . قال
محمد بن يزيد : الزفيف الإسراع . وقال
أبو إسحاق : الزفيف أول عدو النعام . وقال
أبو حاتم : وزعم
الكسائي أن قوما قرءوا " فأقبلوا إليه يزفون " خفيفة ، من وزف يزف ، مثل وزن يزن . قال
النحاس : فهذه حكاية
أبي حاتم وأبو حاتم لم يسمع من
الكسائي شيئا . وروى
الفراء وهو صاحب
الكسائي عن
الكسائي أنه لا يعرف " يزفون " مخففة . قال
الفراء : وأنا لا أعرفها . قال
أبو إسحاق : وقد عرفها غيرهما أنه يقال وزف يزف إذا أسرع . قال
النحاس : ولا نعلم أحدا قرأ " يزفون " .
قلت : هي قراءة
عبد الله بن يزيد فيما ذكر
المهدوي .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : و " يزفون " على البناء للمفعول . " يزفون " من زفاه إذا حداه ، كأن بعضهم يزف بعضا لتسارعهم إليه . وذكر
الثعلبي عن
الحسن ومجاهد وابن السميقع : " يرفون " بالراء من رفيف النعام ، وهو ركض بين المشي والطيران .
قوله تعالى :
قال أتعبدون ما تنحتون فيه حذف ، أي : قالوا من فعل هذا بآلهتنا ، فقال محتجا :
أتعبدون ما تنحتون أي : أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها بأيديكم تنجرونها . والنحت النجر والبري ، نحته ينحته بالكسر نحتا أي : براه . والنحاتة البراية ، والمنحت ما ينحت به .
والله خلقكم وما تعملون " ما " في موضع نصب ، أي : وخلق ما تعملونه من الأصنام ، يعني الخشب والحجارة وغيرهما ، كقوله :
بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وقيل : إن " ما " استفهام ، ومعناه التحقير لعملهم . وقيل : هي نفي ، والمعنى : وما تعملون ذلك لكن الله خالقه . والأحسن أن تكون " ما " مع الفعل مصدرا ، والتقدير : والله خلقكم وعملكم
[ ص: 88 ] وهذا مذهب أهل السنة : أن
الأفعال خلق لله - عز وجل - واكتساب للعباد . وفي هذا إبطال مذاهب
القدرية والجبرية . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
إن الله خالق كل صانع وصنعته ذكره
الثعلبي . وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث
حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864799إن الله - عز وجل - صنع كل صانع وصنعته ، فهو الخالق وهو الصانع سبحانه وقد بيناهما في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى .