[ ص: 139 ] قوله تعالى :
كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب .
قوله تعالى : كذبت قبلهم قوم نوح ذكرها تعزية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتسلية له ، أي : هؤلاء من قومك يا
محمد جند من الأحزاب المتقدمين الذين تحزبوا على أنبيائهم ، وقد كانوا أقوى من هؤلاء فأهلكوا . وذكر الله تعالى القوم بلفظ التأنيث ، واختلف أهل العربية في ذلك على قولين : أحدهما : أنه قد يجوز فيه التذكير والتأنيث . الثاني : أنه مذكر اللفظ لا يجوز تأنيثه ، إلا أن يقع المعنى على العشيرة والقبيلة ، فيغلب في اللفظ حكم المعنى المضمر تنبيها عليه ، كقوله تعالى :
كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره ولم يقل ذكرها ; لأنه لما كان المضمر فيه مذكرا ذكره ، وإن كان اللفظ مقتضيا للتأنيث . ووصف
فرعون بأنه ذو الأوتاد . وقد اختلف في تأويل ذلك ، فقال
ابن عباس : المعنى ذو البناء المحكم . وقال
الضحاك : كان كثير البنيان ، والبنيان يسمى أوتادا . وعن
ابن عباس أيضا
وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء : أنه كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب له عليها . وعن
الضحاك أيضا : ذو القوة والبطش . وقال
الكلبي ومقاتل : كان يعذب الناس بالأوتاد ، وكان إذا غضب على أحد مده مستلقيا بين أربعة أوتاد في الأرض ، ويرسل عليه العقارب والحيات حتى يموت . وقيل : كان يشبح المعذب بين أربع سوار ، كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيه وتد من حديد ويتركه حتى يموت . وقيل : ذو الأوتاد أي : ذو الجنود الكثيرة ، فسميت الجنود أوتادا ; لأنهم يقوون أمره كما يقوي الوتد البيت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : العرب تقول : هم في عز ثابت الأوتاد ، يريدون دائما شديدا . وأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت ويقوم بالأوتاد . وقال
الأسود بن يعفر :
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد
وواحد الأوتاد وتد بالكسر ، وبالفتح لغة . وقال
الأصمعي : يقال وتد واتد كما يقال : شغل شاغل . وأنشد [ للشاعر
أبي محمد الفقعسي ] :
لاقت على الماء جذيلا واتدا ولم يكن يخلفها المواعدا
[ ص: 140 ] قال : شبه الرجل بالجذل .
وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أي الغيضة . وقد مضى ذكرها في [ الشعراء ] . وقرأ
نافع وابن كثير وابن عامر : " ليكة " بفتح اللام والتاء من غير همز . وهمز الباقون وكسروا التاء . وقد تقدم هذا .
أولئك الأحزاب أي هم الموصوفون بالقوة والكثرة ، كقولك : فلان هو الرجل .
إن كل بمعنى ما كل .
إلا كذب الرسل فحق عقاب أي : فنزل بهم العذاب لذلك التكذيب . وأثبت
يعقوب الياء في " عذابي " و " عقابي " في الحالين وحذفها الباقون في الحالين . ونظير هذه الآية قوله - عز وجل - :
وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود فسمى هذه الأمم أحزابا .