الرابعة : هذه الآية أصل في
نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع ، لتجتمع به الكلمة ، وتنفذ به أحكام الخليفة . ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن
الأصم حيث كان عن الشريعة أصم ، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه ، قال : إنها غير واجبة في الدين بل يسوغ ذلك ، وأن الأمة متى أقاموا حججهم وجهادهم ، وتناصفوا فيما بينهم ، وبذلوا الحق من أنفسهم ، وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها ، وأقاموا الحدود على من وجبت عليه ، أجزأهم ذلك ، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماما يتولى ذلك . ودليلنا قول الله تعالى :
إني جاعل في الأرض خليفة ، وقوله تعالى :
يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ، وقال :
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض أي يجعل منهم خلفاء ، إلى غير ذلك من الآي .
وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين
المهاجرين والأنصار في سقيفة
بني ساعدة في التعيين ، حتى قالت
الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فدفعهم
أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك ، وقالوا لهم : إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من
قريش ، ورووا
[ ص: 252 ] لهم الخبر في ذلك ، فرجعوا وأطاعوا
لقريش . فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في
قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها ، ولقال قائل : إنها ليست بواجبة لا في
قريش ولا في غيرهم ، فما لتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب ثم إن
الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى
عمر في الإمامة ، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك ، فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين ، والحمد لله رب العالمين .
وقالت
الرافضة : يجب نصبه عقلا ، وإن السمع إنما ورد على جهة التأكيد لقضية العقل ، فأما معرفة الإمام فإن ذلك مدرك من جهة السمع دون العقل . وهذا فاسد ; لأن العقل لا يوجب ولا يحظر ولا يقبح ولا يحسن ، وإذا كان كذلك ثبت أنها واجبة من جهة الشرع لا من جهة العقل ، وهذا واضح .
فإن قيل وهي :