[ ص: 205 ] قوله تعالى :
قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين .
قوله تعالى : قال فالحق والحق أقول هذه قراءة
أهل الحرمين وأهل البصرة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي . وقرأ
ابن عباس ومجاهد وعاصم nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وحمزة برفع الأول . وأجاز
الفراء فيه الخفض . ولا اختلاف في الثاني في أنه منصوب ب " أقول " ونصب الأول على الإغراء أي : فاتبعوا الحق واستمعوا الحق ، والثاني بإيقاع القول عليه . وقيل : هو بمعنى أحق الحق أي : أفعله . قال
أبو علي : الحق الأول منصوب بفعل مضمر أي : يحق الله الحق ، أو على القسم وحذف حرف الجر ، كما تقول : الله لأفعلن ، ومجازه : قال فبالحق وهو الله تعالى أقسم بنفسه .
والحق أقول جملة اعترضت بين القسم والمقسم عليه ، وهو توكيد القصة ، وإذا جعل الحق منصوبا بإضمار فعل كان " لأملأن " على إرادة القسم . وقد أجاز
الفراء وأبو عبيدة أن يكون الحق منصوبا بمعنى حقا
لأملأن جهنم وذلك عند جماعة من النحويين خطأ ، لا يجوز : زيدا لأضربن ; لأن ما بعد اللام مقطوع مما قبلها فلا يعمل فيه . والتقدير على قولهما : لأملأن جهنم حقا .
ومن رفع " الحق " رفعه بالابتداء ، أي : فأنا الحق أو الحق مني . رويا جميعا عن
مجاهد . ويجوز أن يكون التقدير : هذا الحق . وقول ثالث على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والفراء : أن معنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى : فالحق أن أملأ جهنم . وفي الخفض قولان وهي قراءة
ابن السميقع nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف : أحدهما أنه على حذف حرف القسم . هذا قول
الفراء قال كما يقول : الله - عز وجل - لأفعلن . وقد أجاز مثل هذا
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وغلطه فيه
أبو العباس ولم يجز الخفض ; لأن حروف الخفض لا تضمر ، والقول الآخر : أن تكون الفاء بدلا من واو القسم ، كما أنشدوا :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
لأملأن جهنم منك أي من نفسك وذريتك
وممن تبعك منهم أجمعين من بني آدم أجمعين .
قوله تعالى :
قل ما أسألكم عليه من أجر أي من جعل على تبليغ الوحي وكنى به عن غير مذكور . وقيل : هو راجع إلى قوله : أأنزل عليه الذكر من بيننا ما أنا من المتكلفين أي لا أتكلف ولا أتخرص ما لم أومر به . وروى
مسروق عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود [ ص: 206 ] قال :
من سئل عما لم يعلم فليقل : لا أعلم ، ولا يتكلف ، فإن قوله لا أعلم علم ، وقد قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - :
قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
للمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه ، ويتعاطى ما لا ينال ، ويقول ما لا يعلم . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
نافع عن
ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864898خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره ، فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له ، فقال له عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك ؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا صاحب المقراة لا تخبره ، هذا متكلف ، لها ما حملت في بطونها ، ولنا ما بقي شراب وطهور . وفي الموطإ عن
يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن
عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم
عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا ، فقال
عمرو بن العاص : يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟ فقال
عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا ، فإنا نرد على السباع وترد علينا . وقد مضى القول في المياه في سورة [ الفرقان ] .
إن هو إلا ذكر يعني القرآن للعالمين من الجن والإنس .
ولتعلمن نبأه بعد حين أي نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق بعد حين قال
قتادة : بعد الموت . وقال
الزجاج . وقال
ابن عباس وعكرمة وابن زيد : يعني يوم القيامة . وقال
الفراء : بعد الموت وقبله . أي : لتظهر لكم حقيقة ما أقول : بعد حين أي : في المستأنف أي : إذا أخذتكم سيوف المسلمين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : وذلك يوم
بدر . وكان
الحسن يقول : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين . وسئل
عكرمة عمن
حلف ليصنعن كذا إلى حين . قال : إن من الحين ما لا تدركه كقوله تعالى :
ولتعلمن نبأه بعد حين ومنه ما تدركه ، كقوله تعالى :
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من صرام النخل إلى طلوعه ستة أشهر . وقد مضى القول في هذا في [ البقرة ] و [ إبراهيم ] والحمد لله .