اعلم : أن هذا الباب واسع كبير ، ألف فيه العلماء كتبا كثيرة ، نذكر من ذلك نكتا تدل على فضله ، وما أعد الله لأهله ، إذا أخلصوا الطلب لوجهه ، وعملوا به . فأول ذلك أن يستشعر المؤمن من
فضل القرآن أنه كلام رب العالمين ، غير مخلوق ، كلام من ليس كمثله شيء ، وصفة من ليس له شبيه ولا ند ، فهو من نور ذاته جل وعز ، وأن القراءة أصوات القراء ونغماتهم ، وهي أكسابهم التي يؤمرون بها في حال إيجابا في بعض العبادات ، وندبا في كثير من الأوقات ; ويزجرون عنها إذا أجنبوا ، ويثابون عليها ويعاقبون على تركها . وهذا مما أجمع عليه المسلمون أهل الحق ، ونطقت به الآثار ، ودل عليها المستفيض من الأخبار ; ولا يتعلق الثواب والعقاب إلا بما هو من أكساب العباد ، على ما يأتي بيانه . ولولا أنه - سبحانه - جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله ، ليتدبروه وليعتبروا به ، وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته ، وأداء حقوقه وفرائضه ، لضعفت ولاندكت بثقله ، أو لتضعضعت له وأنى تطيقه ; وهو يقول - تعالى جده - وقوله الحق :
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله [ الحشر : 21 ] . فأين قوة القلوب من قوة الجبال ! ولكن الله تعالى رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم ; فضلا منه ورحمة .
وأما ما جاء من الآثار في هذا الباب : فأول ذلك : ما خرجه
الترمذي عن
أبي سعيد قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقول الرب تبارك وتعالى
nindex.php?page=hadith&LINKID=830004من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين - قال : - وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه .
قال : هذا حديث حسن غريب . وروى
أبو محمد الدارمي السمرقندي في مسنده عن
عبد الله قال : السبع
[ ص: 26 ] الطول مثل التوراة ، والمئون مثل الإنجيل ، والمثاني مثل الزبور ، وسائر القرآن بعد فضل . وأسند عن
الحارث عن
علي رضي الله عنه وخرجه
الترمذي قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830005ستكون فتن كقطع الليل المظلم قلت : يا رسول الله وما المخرج منها ؟ قال : كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ، من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور . "
الحارث " رماه
الشعبي بالكذب وليس بشيء ولم يبن من
الحارث كذب ، وإنما نقم عليه إفراطه في حب
علي وتفضيله له على غيره . ومن هاهنا - والله أعلم - كذبه
الشعبي ; لأن
الشعبي يذهب إلى تفضيل
أبي بكر ، وإلى أنه أول من أسلم . قال
أبو عمر بن عبد البر : وأظن
الشعبي عوقب لقوله في
الحارث الهمداني : حدثني
الحارث وكان أحد الكذابين .
وأسند
أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري النحوي اللغوي في كتاب " الرد على من خالف مصحف
عثمان " عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830006إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة من تمسك به ونجاة من اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولا ألفين أحدكم واضعا إحدى رجليه يدع أن يقرأ سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة وإن أصفر البيوت من الخير البيت الصفر من كتاب الله . وقال
أبو عبيد في غريبه عن
عبد الله قال : إن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن . قال : وتأويل الحديث أنه مثل ، شبه القرآن بصنيع صنعه الله عز وجل للناس . لهم فيه خير ومنافع ، ثم دعاهم إليه . يقال : مأدبة ومأدبة ; فمن قال : مأدبة ; أراد الصنيع يصنعه الإنسان فيدعو إليه الناس . ومن قال : مأدبة ; فإنه يذهب به إلى الأدب ، يجعله مفعلة من الأدب ، ويحتج بحديثه الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831823إن هذا القرآن مأدبة الله عز وجل فتعلموا من مأدبته . وكان
الأحمر يجعلهما لغتين بمعنى واحد ، ولم أسمع أحدا يقول هذا غيره . قال : والتفسير الأول أعجب إلي .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عثمان بن عفان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830008خيركم من تعلم القرآن وعلمه .
[ ص: 27 ] وروى
مسلم عن
أبي موسى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830009مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر . وفي رواية : " مثل الفاجر " بدل المنافق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830011مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة . . وذكر الحديث .
وذكر
أبو بكر الأنباري : وقد أخبرنا
أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا
يحيى بن عبد الحميد حدثنا
هشيم ، ح . وأنبأنا
إدريس حدثنا
خلف حدثنا
هشيم عن
العوام بن حوشب : أن
أبا عبد الرحمن السلمي كان إذا ختم عليه الخاتم القرآن أجلسه بين يديه ووضع يده على رأسه وقال له : يا هذا ، اتق الله ! فما أعرف أحدا خيرا منك إن عملت بالذي علمت . وروى
الدارمي عن
وهب الذماري قال : من آتاه الله القرآن فقام به آناء الليل وآناء النهار ، وعمل بما فيه ومات على الطاعة ، بعثه الله يوم القيامة مع السفرة ، والأحكام .
قال
سعيد : السفرة الملائكة ، والأحكام الأنبياء .
وروى
مسلم عن
عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830012الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران التتعتع : التردد في الكلام عيا وصعوبة ; وإنما كان له أجران من حيث التلاوة ومن حيث المشقة ; ودرجات الماهر فوق ذلك كله ، لأنه قد كان القرآن متعتعا عليه ، ثم ترقى عن ذلك إلى أن شبه بالملائكة . والله أعلم . وروى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830013من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف . قال : حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وقد روي موقوفا . وروى
مسلم عن
عقبة بن عامر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830014خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصفة ; فقال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم فقلنا : يا رسول الله ، كلنا [ ص: 28 ] نحب ذلك ; قال : أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830395من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه .
وروى
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي والدارمي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830016الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة قال
الترمذي : حديث حسن غريب . وروى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830017يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول رب حلة فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول : يا رب ارض عنه فيرضى عنه ، فيقال له : اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة . قال : حديث صحيح . وروى
أبو داود عن
عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830018يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ، وأخرجه
ابن ماجه في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830019يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه .
وأسند
أبو بكر الأنباري عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الحمصي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
من أعطي ثلث القرآن فقد أعطي ثلث النبوة ومن أعطي ثلثي القرآن فقد أعطي ثلثي النبوة ومن قرأ القرآن كله فقد أعطي النبوة كلها غير أنه لا يوحى إليه ويقال له يوم القيامة اقرأ وارق فيقرأ آية ويصعد درجة حتى ينجز ما معه من القرآن ثم يقال له اقبض فيقبض ثم يقال له أتدري ما في يديك فإذا في يده اليمنى الخلد وفي اليسرى النعيم .
حدثنا
إدريس بن خلف حدثنا
إسماعيل بن عياش عن
تمام عن
الحسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
من أخذ ثلث القرآن وعمل به فقد أخذ أمر ثلث النبوة ومن أخذ نصف القرآن [ ص: 29 ] وعمل به فقد أخذ أمر نصف النبوة ومن أخذ القرآن كله فقد أخذ النبوة كلها . قال : وحدثنا
محمد بن يحيى المروزي أنبأنا
محمد وهو ابن سعدان حدثنا
الحسين بن محمد عن
حفص عن
كثير بن زاذان عن
عاصم بن ضمرة عن
علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830020من قرأ القرآن وتلاه وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كل قد وجبت له النار . وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=12328أم الدرداء : دخلت على
عائشة رضي الله عنها فقلت لها : ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأه ممن دخل الجنة ; فقالت
عائشة رضي الله عنها : إن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة ، فليس أحد دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن . ذكره
أبو محمد مكي . وقال
ابن عباس : من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب ; وذلك بأن الله تبارك وتعالى يقول :
فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى [ طه : 123 ] . قال
ابن عباس : فضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . ذكره
مكي أيضا . وقال
الليث : يقال ما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مستمع القرآن ، لقول الله جل ذكره :
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون [ الأعراف : 204 ] . و " لعل " من الله واجبة .
وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي - وهو أول مسند ألف في الإسلام - عن
عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830021من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين . والآثار في معنى هذا الباب كثيرة ، وفيما ذكرنا كفاية ، والله الموفق للهداية .