قوله تعالى : تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم .
قوله تعالى :
تكاد السماوات قراءة العامة بالتاء . وقرأ
نافع وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بالياء . ( يتفطرن ) قرأ
نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء ، وهي قراءة العامة . وقرأ
أبو عمرو وأبو بكر والمفضل وأبو عبيد ( ينفطرن ) من الانفطار ، كقوله تعالى :
إذا السماء انفطرت وقد مضى في سورة ( مريم ) بيان هذا . وقال
ابن عباس :
تكاد السماوات يتفطرن أي : تكاد كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها ، من قول المشركين : اتخذ الله ولدا .
[ ص: 6 ] وقال
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي :
يتفطرن أي : يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن . وقيل : فوقهن : فوق الأرضين من خشية الله لو كن مما يعقل .
قوله تعالى :
والملائكة يسبحون بحمد ربهم أي ينزهونه عما لا يجوز في وصفه ، وما لا يليق بجلاله . وقيل : يتعجبون من جرأة المشركين ، فيذكر التسبيح في موضع التعجب . وعن
علي - رضي الله عنه - : أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط الله . وقال
ابن عباس : تسبيحهم خضوع لما يرون من عظمة الله . ومعنى
بحمد ربهم : بأمر ربهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
ويستغفرون لمن في الأرض قال
الضحاك : لمن في الأرض من المؤمنين ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . بيانه في سورة غافر :
ويستغفرون للذين آمنوا . وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش . وقيل : جميع ملائكة السماء ، وهو الظاهر من قول
الكلبي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : هو منسوخ بقوله :
ويستغفرون للذين آمنوا قال
المهدوي : والصحيح أنه ليس بمنسوخ ; لأنه خبر ، وهو خاص للمؤمنين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15151أبو الحسن الماوردي عن
الكلبي : إن الملائكة لما رأت الملكين اللذين اختبرا وبعثا إلى الأرض ليحكما بينهم ، فافتتنا بالزهرة وهربا إلى
إدريس - وهو جد أبي
نوح عليهما السلام - وسألاه أن يدعو لهما ، سبحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم . قال
أبو الحسن بن الحصار : وقد ظن بعض من جهل أن هذه الآية بسبب
هاروت وماروت ، وأنها منسوخة بالآية التي في المؤمن ، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة ، ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : وفي استغفارهم لهم قولان : أحدهما : من الذنوب والخطايا ، وهو ظاهر قول
مقاتل . الثاني : أنه طلب الرزق لهم والسعة عليهم ، قاله
الكلبي .
قلت : وهو أظهر ، لأن الأرض تعم الكافر وغيره ، وعلى قول
مقاتل لا يدخل فيه الكافر . وقد روي في هذا الباب خبر رواه
عاصم الأحول عن
أبي عثمان عن
سلمان قال : إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة : صوت معروف من آدمي ضعيف ، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء ، فيستغفرون له . فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة : صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يستغفرون الله له . وهذا يدل على أن الآية في الذاكر لله تعالى في السراء والضراء ، فهي خاصة ببعض من في الأرض من المؤمنين . والله أعلم . ويحتمل
[ ص: 7 ] أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى :
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا إلى أن قال :
إنه كان حليما غفورا ، وقوله تعالى :
وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم . والمراد الحلم عنهم وألا يعاجلهم بالانتقام ، فيكون عاما ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . وقال
مطرف : وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغشى عباد الله لعباد الله الشياطين . وقد تقدم .
ألا إن الله هو الغفور الرحيم قال بعض العلماء : هيب وعظم - جل وعز - في الابتداء ، وألطف وبشر في الانتهاء .