قوله تعالى :
ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور .
قوله تعالى : ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا قرئ يبشر من بشره ، ( ويبشر ) من أبشره ، ( ويبشر ) من بشره ، وفيه حذف ، أي : يبشر الله به عباده المؤمنين ليتعجلوا السرور ويزدادوا منه وجدا في الطاعة .
[ ص: 21 ] قوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى .
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى :
قل لا أسألكم عليه أجرا أي : قل يا
محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة جعلا . (
إلا المودة في القربى ) قال
الزجاج :
إلا المودة استثناء ليس من الأول ، أي : إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني . والخطاب
لقريش خاصة ، قاله
ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو مالك nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي وغيرهم . قال
الشعبي : أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى
ابن عباس نسأله عنها ، فكتب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أوسط الناس في
قريش ، فليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده ، فقال الله له :
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، أي : تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني . ف القربى هاهنا قرابة الرحم ، كأنه قال : اتبعوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة . قال
عكرمة : وكانت
قريش تصل أرحامها فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعته ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831099صلوني كما كنتم تفعلون . فالمعنى على هذا : قل لا أسألكم عليه أجرا لكن أذكركم قرابتي ، على استئناء ليس من أول ، ذكره
النحاس . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
طاوس عن
ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى :
إلا المودة في القربى فقال
سعيد بن جبير : قربى آل
محمد ، فقال
ابن عباس : عجلت! إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بطن من
قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بينكم من القرابة . فهذا قول . وقيل : القربى قرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أي : لا أسألكم أجرا إلا أن تودوا قرابتي وأهل بيتي ، كما أمر بإعظامهم ذوي القربى . وهذا قول
علي بن حسين nindex.php?page=showalam&ids=16709وعمرو بن شعيب nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . وفي رواية
سعيد بن جبير عن
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500501لما أنزل الله - عز وجل - : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودهم ؟ قال : علي وفاطمة وأبناؤهما . ويدل عليه أيضا ما روي عن
علي - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865988شكوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 22 ] حسد الناس لي . فقال : أما ترضى أن تكون رابع أربعة ؛ أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة . وقال
الحسن وقتادة : المعنى إلا أن يتوددوا إلى الله - عز وجل - ويتقربوا إليه بطاعته . فالقربى على هذا بمعنى القربة . يقال : قربة وقربى بمعنى ، ، كالزلفة والزلفى . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16827قزعة بن سويد عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد عن
ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=831100قل لا أسألكم على ما آتيتكم به أجرا إلا أن توادوا وتقربوا إليه بالطاعة ) . وروى
منصور وعوف عن
الحسن قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال : يتوددون إلى الله - عز وجل - ويتقربون منه بطاعته . وقال قوم : الآية منسوخة وإنما نزلت
بمكة ، وكان المشركون يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية ، وأمرهم الله بمودة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وصلة رحمه ، فلما هاجر آوته
الأنصار ونصروه ، وأراد الله أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء حيث قالوا : (
وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) فأنزل الله تعالى :
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله فنسخت بهذه الآية وبقوله :
قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وقوله .
أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير ، وقوله :
أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون قاله
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14127والحسين بن الفضل . ورواه
جويبر عن
الضحاك عن
ابن عباس . قال
الثعلبي : وليس بالقوي ، وكفى قبحا بقول من يقول : إن التقرب إلى الله بطاعته ومودة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته منسوخ ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
من مات على حب آل محمد مات شهيدا . ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوار قبره الملائكة والرحمة . ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم [ ص: 23 ] القيامة مكتوبا بين عينيه أيس اليوم من رحمة الله . ومن مات على بغض آل محمد لم يرح رائحة الجنة . ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي .
قلت : وذكر هذا الخبر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسيره بأطول من هذا فقال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
من مات على حب آل محمد مات شهيدا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان . ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير . ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة . ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة . ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة . ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله . ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا . ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة . قال
النحاس : ومذهب
عكرمة ليست بمنسوخة ، قال : كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعوه فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500502قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني .
قلت : وهذا هو معنى قول
ابن عباس في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي عنه بعينه ، وعليه لا نسخ . قال
النحاس : وقول
الحسن حسن ، ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حدثنا
أحمد بن محمد الأزدي قال أخبرنا
الربيع بن سليمان المرادي قال أخبرنا
أسد بن موسى قال حدثنا
قزعة - وهو ابن يزيد البصري - قال حدثنا
عبد الله بن أبي نجيح عن
مجاهد عن
ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831101لا أسألكم على ما أنبئكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله - عز وجل - وأن تتقربوا إليه بطاعته . فهذا المبين عن الله - عز وجل - قد قال هذا ، وكذا قالت الأنبياء - صلى الله عليهم - قبله : إن أجري إلا على الله .
[ ص: 24 ] الثانية : واختلفوا في سبب نزولها ، فقال
ابن عباس : لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -
المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه ، فقالت
الأنصار : إن هذا الرجل هداكم الله به وهو ابن أخيكم ، وتنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه فنجمع له ، ففعلوا ، ثم أتوه به فنزلت . وقال
الحسن : نزلت حين تفاخرت
الأنصار والمهاجرون ، فقالت
الأنصار نحن فعلنا ، وفخرت
المهاجرون بقرابتهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . روى
مقسم عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865994سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فخطب فقال للأنصار : ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي . ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي . ألم تكونوا خائفين فأمنكم الله بي ، ألا تردون علي ؟ فقالوا : بم نجيبك ؟ قال : تقولون ألم يطردك قومك فآويناك . ألم يكذبك قومك فصدقناك . . . فعدد عليهم . قال فجثوا على ركبهم فقالوا : أنفسنا وأموالنا لك ، فنزلت : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى وقال
قتادة : قال المشركون لعل
محمدا فيما يتعاطاه يطلب أجرا ، فنزلت هذه الآية ، ليحثهم على مودته ومودة أقربائه . قال
الثعلبي : وهذا أشبه بالآية ، لأن السورة مكية .
قوله تعالى : ومن يقترف حسنة أي يكتسب . وأصل القرف الكسب ، يقال : فلان يقرف لعياله ، أي : يكسب . والاقتراف الاكتساب ، وهو مأخوذ من قولهم رجل قرفة ، إذا كان محتالا . وقد مضى في ( الأنعام ) القول فيه . وقال
ابن عباس :
ومن يقترف حسنة قال المودة
لآل محمد صلى الله عليه وسلم .
نزد له فيها حسنا أي نضاعف له الحسنة بعشر فصاعدا .
إن الله غفور شكور قال قتادة : غفور للذنوب شكور للحسنات . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : غفور لذنوب
آل محمد - عليه السلام - ، شكور لحسناتهم .