[ ص: 82 ] قوله تعالى :
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين .
قوله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وقرأ
ابن عباس وعكرمة ( ومن يعش ) بفتح الشين ، ومعناه يعمى ، يقال منه عشي يعشى عشا إذا عمي . ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر ، ومنه قول
الأعشى :
رأت رجلا غائب الوافدي ن مختلف الخلق أعشى ضريرا
وقوله :
أأن رأت رجلا أعشى أضر به
ريب المنون ودهر مفند خبل
الباقون بالضم ، من عشا يعشو إذا لحقه ما يلحق
الأعشى . وقال
الخليل : العشو هو النظر ببصر ضعيف ، وأنشد :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
تجد خير نار عندها خير موقد
وقال آخر :
لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره
إذا الريح هبت والمكان جديب
الجوهري : والعشا ( مقصور ) مصدر
الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار . والمرأة عشواء ، وامرأتان عشواوان . وأعشاه الله فعشي ( بالكسر ) يعشى عشى ، وهما يعشيان ، ولم يقولوا يعشوان ; لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها . وتعاشى إذا أرى من نفسه أنه أعشى . والنسبة إلى أعشى أعشوي . وإلى العشية عشوي . والعشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء . وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة . وفلان خابط خبط عشواء .
وهذه الآية تتصل بقوله أول السورة :
أفنضرب عنكم الذكر صفحا أي : نواصل لكم الذكر ، فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم ( نقيض له شيطانا )
[ ص: 83 ] أي : نسبب له شيطانا جزاء له على كفره ( فهو له قرين ) قيل في الدنيا ، يمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة ، ويأمره بالمعصية ، وهو معنى قول
ابن عباس . وقيل : في الآخرة إذا قام من قبره ، قاله
سعيد الجريري . وفي الخبر : أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخلا النار . وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه ، ذكره
المهدوي . وقال
القشيري : والصحيح ( فهو له قرين ) في الدنيا والآخرة . وقال
أبو الهيثم والأزهري : عشوت إلى كذا أي : قصدته . وعشوت عن كذا أي : أعرضت عنه ، فتفرق بين ( إلى ) و " عن " ، مثل : ملت إليه وملت عنه . وكذا قال
قتادة : ( يعش ) ، يعرض ، وهو قول
الفراء .
النحاس : وهو غير معروف في اللغة . وقال
القرظي : يولي ظهره ، والمعنى واحد . وقال
أبو عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش : تظلم عينه . وأنكر
العتبي عشوت بمعنى أعرضت ، قال : وإنما الصواب تعاشيت . والقول قول
أبي الهيثم والأزهري . وكذلك قال جميع أهل المعرفة .
وقرأ
السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن
عاصم وعن
الأعمش ( يقيض ) ( بالياء ) لذكر ( الرحمن ) أولا ، أي : يقيض له الرحمن شيطانا . الباقون بالنون . وعن
ابن عباس : يقيض له شيطان فهو له قرين ، أي : ملازم ومصاحب . قيل : ( فهو ) كناية عن الشيطان ، على ما تقدم . وقيل : عن الإعراض عن القرآن ، أي : هو قرين للشيطان . ( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ) أي : وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى ، وذكر بلفظ الجمع لأن ( من ) في قوله :
ومن يعش في معنى الجمع . ( ويحسبون ) أي : ويحسب الكفار أنهم مهتدون وقيل : ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم . ( حتى إذا جاءنا ) على التوحيد قرأ
أبو عمرو وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص يعني : الكافر يوم القيامة . الباقون ( جاءانا ) على التثنية ، يعني : الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة ، فيقول الكافر :
ياليت بيني وبينك بعد المشرقين أي : مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، كما قال تعالى :
رب المشرقين ورب المغربين ونحوه قول
مقاتل . وقراءة التوحيد وإن كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعا ; لأنه قد عرف ذلك بما بعده ، كما قال [
امرؤ القيس ] :
وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخر
قال
مقاتل : يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة إلى مشرق أقصر يوم في السنة ، ولذلك قال :
بعد المشرقين وقال
الفراء : أراد المشرق والمغرب فغلب اسم
[ ص: 84 ] أحدهما ، كما يقال : القمران للشمس والقمر ، والعمران
لأبي بكر وعمر ،
والبصرتان للكوفة والبصرة ، والعصران للغداة والعصر . وقال الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع
وأنشد
أبو عبيدة لجرير :
ما كان يرضى رسول الله فعلهم والعمران
أبو بكر ولا
عمر
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : قدني من نصر الخبيبين قدي
يريد
عبد الله ومصعبا ابني
الزبير ، وإنما
أبو خبيب عبد الله . ( فبئس القرين ) أي فبئس الصاحب أنت ; لأنه يورده إلى النار . قال
أبو سعيد الخدري : إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار .