قوله تعالى :
أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون .
قوله تعالى : أهم خير أم قوم تبع هذا استفهام إنكار ، أي : إنهم مستحقون في هذا القول العذاب ، إذ ليسوا خيرا من
قوم تبع والأمم المهلكة ، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء . وقيل : المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالا أم
قوم تبع . وقيل : أهم أعز وأشد وأمنع أم
قوم تبع . وليس المراد بتبع رجلا واحدا بل المراد به ملوك
اليمن ، فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة . فتبع لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين ،
nindex.php?page=showalam&ids=16848وكسرى للفرس ،
وقيصر للروم . وقال
أبو عبيدة : سمي كل واحد منهم تباعا لأنه يتبع صاحبه . قال
الجوهري : والتبابعة ملوك
اليمن ، واحدهم تبع . والتبع أيضا الظل ، وقال :
يرد المياه حضيرة ونفيضة ورد القطاة إذا اسمأل التبع
والتبع أيضا ضرب من الطير . وقال
السهيلي : تبع اسم لكل ملك ملك
اليمن والشحر [ ص: 135 ] وحضرموت . وإن ملك
اليمن وحدها لم يقل له تبع ، قاله
المسعودي . فمن التبابعة :
الحارث الرائش وهو ابن همال ذي سدد .
وأبرهة ذو المنار .
وعمرو ذو الأذعار .
وشمر بن مالك ، الذي تنسب إليه
سمرقند .
وأفريقيس بن قيس ، الذي ساق البربر إلى
أفريقية من أرض
كنعان ، وبه سميت
إفريقية .
والظاهر من الآيات : أن الله سبحانه إنما أراد واحدا من هؤلاء ، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشد من معرفة غيره ، ولذلك قال - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831150ولا أدري أتبع لعين أم لا . ثم قد روي عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831151لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا فهذا يدلك على أنه كان واحدا بعينه ، وهو - والله أعلم -
أبو كرب الذي كسا البيت بعدما أراد غزوه ، وبعدما غزا
المدينة وأراد خرابها ، ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه
أحمد . وقال شعرا أودعه عند أهلها ، فكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدوه إليه . ويقال : كان الكتاب والشعر عند
أبي أيوب خالد بن زيد . وفيه :
شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم
وذكر
الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له
بصنعاء - ويقال بناحية
حمير - في الإسلام ، فوجد فيه امرأتان صحيحتان ، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب ( هذا قبر
حبى ولميس ) ويروى أيضا : (
حبى وتماضر ) يروى أيضا : ( هذا قبر
رضوى وقبر
حبى ابنتا
تبع ، ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به شيئا ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما ) .
قلت : وروى
ابن إسحاق وغيره أنه كان في الكتاب الذي كتبه : ( أما بعد ، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك ، وأنا على دينك وسنتك ، وآمنت بربك ورب كل شيء ، وآمنت
[ ص: 136 ] بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام ، فإن أدركتك فبها ونعمت ، وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة ، فإني من أمتك الأولين وبايعتك قبل مجيئك ، وأنا على ملتك وملة أبيك
إبراهيم - عليه السلام - ثم ختم الكتاب ونقش عليه :
لله الأمر من قبل ومن بعد وكتب على عنوانه ( إلى
محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله ، خاتم النبيين ورسول رب العالمين - صلى الله عليه وسلم - . من
تبع الأول . وقد ذكرنا بقية خبره وأوله في ( اللمع اللؤلئية شرح العشر بينات النبوية )
nindex.php?page=showalam&ids=14868للفارابي رحمه الله . وكان من اليوم الذي مات فيه
تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ألف سنة لا يزيد ولا ينقص .
واختلف هل كان نبيا أو ملكا ، فقال
ابن عباس : كان
تبع نبيا . وقال
كعب : كان
تبع ملكا من الملوك ، وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من
أهل الكتاب ، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا ففعلوا ، فتقبل قربان
أهل الكتاب فأسلم ، وقالت
عائشة - رضي الله عنها - : لا تسبوا
تبعا فإنه كان رجلا صالحا . وحكى
قتادة أن
تبعا كان رجلا من
حمير ، سار بالجنود حتى عبر
الحيرة وأتى
سمرقند فهدمها ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وحكى
الثعلبي عن
قتادة أنه
تبع الحميري ، وكان سار بالجنود حتى عبر
الحيرة . وبنى
سمرقند وقتل وهدم البلاد . وقال
الكلبي :
تبع هو أبو كرب أسعد بن ملك يكرب ، وإنما سمي
تبعا لأنه تبع من قبله . وقال
سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت الحبرات . وقال
كعب : ذم الله قومه ولم يذمه ، وضرب بهم
لقريش مثلا لقربهم من دارهم وعظمهم في نفوسهم ، فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم - لأنهم كانوا مجرمين - كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك . وافتخر
أهل اليمن بهذه الآية ، إذ جعل الله قوم
تبع خيرا من
قريش . وقيل : سمي أولهم تبعا لأنه اتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر .
قوله تعالى :
والذين من قبلهم أهلكناهم الذين في موضع رفع عطف على
قوم تبع أهلكناهم صلته . ويكون من قبلهم متعلقا به . ويجوز أن يكون من قبلهم
[ ص: 137 ] صلة الذين ويكون في الظرف عائد إلى الموصول . وإذا كان كذلك كان أهلكناهم على أحد أمرين : إما أن يقدر معه ( قد ) فيكون في موضع الحال . أو يقدر حذف موصوف ، كأنه قال : قوم أهلكناهم . والتقدير أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء المذكورين قدرنا على إهلاك المشركين . ويجوز أن يكون
والذين من قبلهم ابتداء خبره أهلكناهم ويجوز أن يكون الذين في موضع جر عطفا على
تبع كأنه قال : قوم تبع المهلكين من قبلهم . ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب بإضمار فعل دل عليه أهلكناهم والله أعلم .
قوله تعالى :
وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين أي غافلين ، قاله
مقاتل . وقيل : لاهين ، وهو قول
الكلبي .
ما خلقناهما إلا بالحق أي إلا بالأمر الحق ، قاله
مقاتل . وقيل : إلا للحق ، قاله
الكلبي والحسن . وقيل : إلا لإقامة الحق لإظهاره من توحيد الله والتزام طاعته . وقد مضى هذا المعنى في ( الأنبياء ) ولكن أكثرهم يعني أكثر الناس لا يعلمون ذلك .