قوله تعالى :
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون .
قال
ابن عباس والحسن وقتادة : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلا
[ ص: 156 ] ركبه . وقال
عكرمة : أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنه ، فإذا استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها . قال
سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر . وقال
مقاتل : نزلت في
الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين ، لأنه كان يعبد ما تهواه نفسه . وقال
سفيان بن عيينة : إنما عبدوا الحجارة لأن البيت حجارة . وقيل : المعنى أفرأيت من ينقاد لهواه ومعبوده تعجيبا لذوي العقول من هذا الجهل . وقال
الحسن بن الفضل : في هذه الآية تقديم وتأخير ، مجازه : أفرأيت من اتخذ هواه إلهه . وقال
الشعبي : إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار . وقال
ابن عباس : ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه ، قال الله تعالى :
واتبع هواه فمثله كمثل الكلب . وقال تعالى :
واتبع هواه وكان أمره فرطا . وقال تعالى :
بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله . وقال تعالى :
ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله . وقال تعالى :
ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به وقال
أبو أمامة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى وقال
شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830145الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت . والفاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله وقال - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831153إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500509ثلاث مهلكات وثلاث منجيات ؛ فالمهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . [ ص: 157 ] والمنجيات : خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب وقال
أبو الدرداء - رضي الله عنه - : إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله وعلمه ، فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء ، وإن كان عمله تبعا لعلمه فيومه يوم صالح . وقال
الأصمعي سمعت رجلا يقول :
إن الهوان هو الهوى قلب اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وسئل
ابن المقفع عن الهوى فقال : هوان سرقت نونه ، فأخذه شاعر فنظمه وقال :
نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وقال آخر :
إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد كسبت هوانا
وإذا هويت فقد تعبدك الهوى فاخضع لحبك كائنا من كانا
nindex.php?page=showalam&ids=16418ولعبد الله بن المبارك :
ومن البلايا للبلاء علامة ألا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها والحر يشبع تارة ويجوع
nindex.php?page=showalam&ids=13147ولابن دريد :
إذا طالبتك النفس يوما بشهوة وكان إليها للخلاف طريق
فدعها وخالف ما هويت فإنما هواك عدو والخلاف صديق
ولأبي عبيد الطوسي :
والنفس إن أعطيتها مناها فاغرة نحو هواها فاها
وقال
أحمد بن أبي الحواري : مررت براهب فوجدته نحيفا فقلت له : أنت عليل . قال نعم . قلت مذ كم ؟ قال : مذ عرفت نفسي! قلت فتداوي ؟ قال : قد أعياني الدواء وقد عزمت على الكي . قلت وما الكي ؟ قال : مخالفة الهوى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري : هواك داؤك . فإن خالفته فدواؤك . وقال
وهب : إذا شككت في أمرين ولم تدر خيرهما فانظر أبعدهما من هواك فأته .
[ ص: 158 ] وللعلماء في هذا الباب في
ذم الهوى ومخالفته كتب وأبواب أشرنا إلى ما فيه كفاية منه ، وحسبك بقوله تعالى :
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى .
قوله تعالى :
وأضله الله على علم أي على علم قد علمه منه . وقيل : أضله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه . وقال
ابن عباس : أي : على علم قد سبق عنده أنه سيضل .
مقاتل : على علم منه أنه ضال ، والمعنى متقارب . وقيل : على علم من عابد الصنم أنه لا ينفع ولا يضر . ثم قيل : على علم يجوز أن يكون حالا من الفاعل ، المعنى : أضله على علم منه به ، أي : أضله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه . ويجوز أن يكون حالا من المفعول ، فيكون المعنى : أضله في حال علم الكافر بأنه ضال .
وختم على سمعه وقلبه أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ ، وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى .
وجعل على بصره غشاوة أي غطاء حتى لا يبصر الرشد . وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( غشوة ) بفتح الغين من غير ألف وقد مضى في البقرة وقال الشاعر :
أما والذي أنا عبد له يمينا وما لك أبدي اليمينا
لئن كنت ألبستني غشوة لقد كنت أصفيتك الود حينا
فمن يهديه من بعد الله أي من بعد أن أضله .
أفلا تذكرون تتعظون وتعرفون أنه قادر على ما يشاء .
وهذه الآية ترد على
القدرية والإمامية ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد ، إذ هي مصرحة بمنعهم من الهداية . ثم قيل : وختم على سمعه وقلبه إنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم . وقيل : إنه خارج مخرج الدعاء بذلك عليهم ، كما تقدم في أول ( البقرة ) وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أنها
نزلت في nindex.php?page=showalam&ids=14059الحارث بن قيس من الغياطلة . وحكى
النقاش أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=1852الحارث بن نوفل بن عبد مناف . وقال
مقاتل : نزلت في
أبي جهل ، وذلك أنه طاف بالبيت ذات ليلة ومعه
الوليد بن المغيرة ، فتحدثا في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال
أبو جهل : والله إني لأعلم إنه لصادق! فقال له مه! وما دلك على ذلك ؟ ! قال : يا
أبا عبد شمس ، كنا نسميه في صباه الصادق الأمين ، فلما تم عقله وكمل رشده ، نسميه الكذاب الخائن!! والله إني لأعلم إنه لصادق! قال : فما
[ ص: 159 ] يمنعك أن تصدقه وتؤمن به ؟ قال : تتحدث عني بنات
قريش أني قد اتبعت يتيم
أبي طالب من أجل كسرة ، واللات والعزى إن اتبعته أبدا . فنزلت : وختم على سمعه وقلبه