قوله تعالى :
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون .
قوله تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وقال
ابن عباس : ذوو الحزم والصبر ، قال
مجاهد : هم خمسة :
نوح ،
وإبراهيم ،
وموسى ،
وعيسى ،
ومحمد عليهم الصلاة والسلام . وهم أصحاب الشرائع . وقال
أبو العالية : إن أولي العزم :
نوح ،
وهود ،
وإبراهيم . فأمر الله - عز وجل - نبيه عليه الصلاة والسلام أن يكون رابعهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هم ستة :
إبراهيم ،
وموسى ،
وداود ،
وسليمان ،
وعيسى ،
ومحمد ، صلوات الله عليهم أجمعين . وقيل :
نوح ،
وهود ،
وصالح ،
وشعيب ،
ولوط ،
وموسى ، وهم المذكورون على النسق في سورتي ( الأعراف والشعراء ) وقال
مقاتل : هم ستة :
نوح صبر على أذى قومه مدة .
وإبراهيم صبر على النار .
وإسحاق صبر على الذبح .
ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر .
ويوسف صبر على البئر والسجن .
وأيوب صبر على الضر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : إن منهم
إسماعيل ويعقوب وأيوب ، وليس منهم
يونس ولا
سليمان ولا
آدم . وقال
الشعبي والكلبي ومجاهد أيضا : هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة . وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة ( الأنعام ) وهم ثمانية عشر :
إبراهيم ،
وإسحاق ،
ويعقوب ،
ونوح ،
وداود ،
وسليمان ،
وأيوب ،
ويوسف ،
وموسى ،
وهارون ،
وزكرياء ،
ويحيى ،
وعيسى ،
وإلياس ،
وإسماعيل ،
واليسع ،
ويونس ،
ولوط . واختاره
الحسن بن الفضل لقوله في عقبه :
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ ص: 204 ] وقال
ابن عباس أيضا : كل الرسل كانوا أولي عزم . واختاره
علي بن مهدي الطبري ، قال : وإنما دخلت من للتجنيس لا للتبعيض ، كما تقول : اشتريت أردية من البز وأكسية من الخز . أي : اصبر كما صبر الرسل . وقيل : كل الأنبياء أولو عزم إلا
يونس بن متى ، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يكون مثله ، لخفة وعجلة ظهرت منه حين ولى مغاضبا لقومه ، فابتلاه الله بثلاث : سلط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلط الذئب على ولده فأكله ، وسلط عليه الحوت فابتلعه ، قال
أبو القاسم الحكيم . وقال بعض العلماء : أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى
بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إلى الأنبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة
بني إسرائيل ، فشق ذلك على المرسلين فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت
بني إسرائيل ، وإن شئتم نجيتكم وأنزلت العذاب
ببني إسرائيل ، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي الله
بني إسرائيل ، فأنجى الله
بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب . وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من حرق بالنار . والله أعلم .
وقال
الحسن : أولو العزم أربعة :
إبراهيم ،
وموسى ،
وداود ،
وعيسى ، فأما
إبراهيم فقيل له : أسلم قال أسلمت لرب العالمين ثم ابتلي في ماله وولده ووطنه ونفسه ، فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلي به . وأما
موسى فعزمه حين قال له قومه :
إنا لمدركون . قال كلا إن معي ربي سيهدين وأما
داود فأخطأ خطيئته فنبه عليها ، فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة ، فقعد تحت ظلها . وأما
عيسى فعزمه أنه لم يضع لبنة على لبنة وقال : ( إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها ) فكأن الله تعالى يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : اصبر ، أي : كن صادقا فيما ابتليت به مثل صدق
إبراهيم ، واثقا بنصرة مولاك مثل ثقة
موسى ، مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام
داود ، زاهدا في الدنيا مثل زهد
عيسى . ثم قيل هي : منسوخة بآية السيف . وقيل : محكمة ، والأظهر أنها منسوخة ; لأن السورة مكية . وذكر
مقاتل : أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم
أحد ، فأمره الله - عز وجل - أن يصبر على ما أصابه كما صبر
أولو العزم من الرسل ، تسهيلا عليه وتثبيتا له . والله أعلم .
[ ص: 205 ] ولا تستعجل لهم قال
مقاتل : بالدعاء عليهم . وقيل : في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة . ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب .
كأنهم يوم يرون ما يوعدون قال
يحيى : من العذاب .
النقاش : من الآخرة . لم يلبثوا أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول
يحيى . وقال
النقاش : في قبورهم حتى بعثوا للحساب .
إلا ساعة من نهار يعني في جنب يوم القيامة . وقيل : نساهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا . بلاغ أي هذا القرآن بلاغ ، قاله
الحسن . فبلاغ رفع على إضمار مبتدإ ، دليله قوله تعالى :
هذا بلاغ للناس ولينذروا به وقوله :
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين . والبلاغ بمعنى التبليغ . وقيل : أي : إن ذلك اللبث بلاغ ، قاله
ابن عيسى ، فيوقف على هذا على بلاغ وعلى نهار وذكر
أبو حاتم أن بعضهم وقف على
ولا تستعجل ثم ابتدأ لهم على معنى لهم بلاغ . قال
ابن الأنباري : وهذا خطأ ، لأنك قد فصلت بين البلاغ وبين اللام ، - وهي رافعة - بشيء ليس منهما . ويجوز في العربية : بلاغا وبلاغ ، النصب على معنى إلا ساعة بلاغا ، على المصدر أو على النعت للساعة . والخفض على معنى من نهار بلاغ . وبالنصب قرأ
عيسى بن عمر والحسن . وروي عن بعض القراء ( بلغ ) على الأمر ، فعلى هذه القراءة يكون الوقف على من نهار ثم يبتدئ ( بلغ )
فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أي الخارجون عن أمر الله ، قاله
ابن عباس وغيره . وقرأ
ابن محيصن ( فهل يهلك إلا القوم ) على إسناد الفعل إلى القوم . وقال
ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها .
كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون صدق الله العظيم . وعن
قتادة : لا يهلك الله إلا هالكا مشركا . وقيل : هذه أقوى آية في الرجاء . والله أعلم .