الثانية :
الواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم : الله أعلم ولا أدري ، اقتداء بالملائكة والأنبياء والفضلاء من العلماء ، لكن قد أخبر الصادق أن بموت العلماء يقبض العلم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون . وأما ما ورد من الأخبار
[ ص: 271 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الآية فروى
البستي في المسند الصحيح له عن
ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=836905أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي البقاع شر ؟ قال : لا أدري حتى أسأل جبريل فسأل جبريل ، فقال : لا أدري حتى أسأل ميكائيل ، فجاء فقال : خير البقاع المساجد ، وشرها الأسواق . وقال الصديق للجدة : ارجعي حتى أسأل الناس . وكان
علي يقول : وابردها على الكبد ، ثلاث مرات . قالوا : وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول : الله أعلم . وسأل
ابن عمر رجل عن مسألة فقال : لا علم لي بها ، فلما أدبر الرجل . قال ابن عمر : نعم ما قال
ابن عمر ، سئل عما لا يعلم فقال لا علم لي به ذكره
الدارمي في مسنده . وفي صحيح
مسلم عن
أبي عقيل يحيى بن المتوكل صاحب
بهية قال : كنت جالسا عند
القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد ، فقال
يحيى للقاسم : يا
أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن يسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج ، أو علم ولا مخرج ؟ فقال له
القاسم : وعم ذاك ؟ قال : لأنك ابن إمامي هدى :
ابن أبي بكر وعمر . قال يقول له
القاسم : أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة . فسكت فما أجابه . وقال
مالك بن أنس : سمعت
ابن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون أصلا في أيديهم ، فإذا سئل أحدهم عما لا يدري قال : لا أدري . وذكر
الهيثم بن جميل قال : شهدت
مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري .
قلت : ومثله كثير عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين . وإنما يحمل على ترك ذلك الرياسة وعدم الإنصاف في العلم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم . روى
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت
ابن وهب يقول : سمعت
مالك بن أنس يقول : ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف .
قلت : هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فينا الفساد وكثر فيه الطغام وطلب فيه العلم للرياسة لا للدراية ، بل للظهور في الدنيا وغلبة الأقران بالمراء والجدال الذي يقسي القلب ويورث الضغن ، وذلك مما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى .
[ ص: 272 ] أين هذا مما روي عن
عمر رضي الله عنه وقد قال : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة - يعني
يزيد بن الحصين الحارثي - فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال ، فقامت امرأة من صوب النساء طويلة فيها فطس فقالت : ما ذلك لك قال : ولم ؟ قالت لأن الله عز وجل يقول :
وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فقال
عمر : امرأة أصابت ورجل أخطأ وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
أبي معشر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي قال : سأل رجل
عليا رضي الله عنه عن مسألة فقال فيها ، فقال الرجل : ليس كذلك يا أمير المومنين ، ولكن كذا وكذا ، فقال
علي : أصبت وأخطأت ، وفوق كل ذي علم عليم . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16802أبو محمد قاسم بن أصبغ قال : لما رحلت إلى المشرق نزلت
القيروان فأخذت على
بكر بن حماد حديث
مسدد ، ثم رحلت إلى
بغداد ولقيت الناس ، فلما انصرفت عدت إليه لتمام حديث
مسدد ، فقرأت عليه فيه يوما حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830244أنه قدم عليه قوم من مضر من مجتابي النمار فقال : إنما هو مجتابي الثمار ، فقلت : إنما هو " مجتابي النمار " ، هكذا قرأته على كل من قرأته عليه
بالأندلس والعراق ، فقال لي : بدخولك
العراق تعارضنا وتفخر علينا أو نحو هذا . ثم قال لي : قم بنا إلى ذلك الشيخ - لشيخ كان في المسجد - فإن له بمثل هذا علما ، فقمنا إليه فسألناه عن ذلك فقال : إنما هو " مجتابي النمار " - كما قلت - وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة ، جيوبهم أمامهم . والنمار جمع نمرة . فقال
بكر بن حماد وأخذ بأنفه : رغم أنفي للحق ، رغم أنفي للحق . وانصرف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17358يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأحسن :
إذا ما تحدثت في مجلس تناهى حديثي إلى ما علمت ولم أعد علمي إلى غيره
وكان إذا ما تناهى سكت