قوله تعالى : فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
فلا تهنوا أي تضعفوا عن القتال . والوهن : الضعف وقد وهن الإنسان ووهنه غيره ، يتعدى ولا يتعدى . قال :
إنني لست بموهون فقر
ووهن أيضا ( بالكسر ) وهنا أي : ضعف ، وقرئ ( فما وهنوا ) بضم الهاء وكسرها . وقد مضى في ( آل عمران ) .
الثانية : قوله تعالى :
وتدعوا إلى السلم أي الصلح .
وأنتم الأعلون أي وأنتم
[ ص: 234 ] أعلم بالله منهم . وقيل : وأنتم الأعلون في الحجة . وقيل : المعنى وأنتم الغالبون لأنكم مؤمنون وإن غلبوكم في الظاهر في بعض الأحوال . وقال
قتادة : لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها .
الثالثة : واختلف العلماء في حكمها ، فقيل : إنها ناسخة لقوله تعالى :
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها لأن الله تعالى منع من الميل إلى الصلح إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الصلح . وقيل : منسوخة بقوله تعالى :
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وقيل : هي محكمة . والآيتان نزلتا في وقتين مختلفي الحال . وقيل : إن قوله :
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها مخصوص في قوم بأعيانهم ، والأخرى عامة . فلا يجوز
مهادنة الكفار إلا عند الضرورة ، وذلك إذا عجزنا عن مقاومتهم لضعف المسلمين . وقد مضى هذا المعنى مستوفى .
والله معكم أي بالنصر والمعونة ، مثل :
وإن الله لمع المحسنين ولن يتركم أعمالكم أي لن ينقصكم ، عن
ابن عباس وغيره . ومنه الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، تقول منه : وتره يتره وترا وترة . ومنه قوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831183من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله أي : ذهب بهما . وكذلك وتره حقه أي : نقصه . وقوله تعالى :
ولن يتركم أعمالكم أي : لن ينتقصكم في أعمالكم ، كما تقول : دخلت البيت ، وأنت تريد في البيت ، قاله
الجوهري .
الفراء : ولن يتركم هو مشتق من الوتر وهو الفرد ، فكان المعنى : ولن يفردكم بغير ثواب .