قوله تعالى :
وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد
قوله تعالى :
وقال قرينه يعني الملك الموكل به في قول
الحسن وقتادة والضحاك .
هذا ما لدي عتيد أي : هذا ما عندي من كتابة عمله معد محفوظ . وقال
مجاهد : يقول هذا الذي وكلتني به من بني
آدم قد أحضرته وأحضرت ديوان عمله . وقيل : المعنى : هذا ما عندي
[ ص: 16 ] من العذاب حاضر . وعن
مجاهد أيضا : قرينه الذي قيض له من الشياطين .
قال
ابن زيد في رواية
ابن وهب عنه : إنه قرينه من الإنس ، فيقول الله تعالى لقرينه :
ألقيا في جهنم قال
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش : هذا كلام العرب الفصيح ، أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين فتقول : " ويلك ارحلاها وازجراها ، وخذاه وأطلقاه " للواحد . قال
الفراء : تقول للواحد قوما عنا ، وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان فجرى كلام الرجل على صاحبيه ، ومنه قولهم للواحد في الشعر : خليلي ، ثم يقول : يا صاح . قال
امرؤ القيس : خليلي مرا بي على
أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب وقال أيضا : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل وقال آخر : فإن تزجراني
يابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا وقيل : جاء كذلك لأن القرين يقع للجماعة والاثنين . وقال
المازني : قوله : " ألقيا " يدل على ألق ألق . وقال
المبرد : هي تثنية على التوكيد ، المعنى ألق ألق ، فناب ألقيا مناب التكرار . ويجوز أن يكون " ألقيا " تثنية على خطاب الحقيقة من قول الله تعالى يخاطب به الملكين . وقيل : هو مخاطبة للسائق والحافظ . وقيل : إن الأصل ألقين بالنون الخفيفة تقلب في الوقف ألفا فحمل الوصل على الوقف .
وقرأ
الحسن " ألقين " بالنون الخفيفة نحو قوله :
وليكونا من الصاغرين وقوله : لنسفعا .
كل كفار عنيد أي : معاند ; قاله
مجاهد وعكرمة . وقال بعضهم : العنيد المعرض عن الحق ; يقال : عند يعند بالكسر عنودا أي : خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند ، وجمع العنيد عند مثل رغيف ورغف .
مناع للخير يعني الزكاة المفروضة وكل حق واجب .
معتد في منطقه وسيرته وأمره ؛ ظالم .
" مريب " شاك في التوحيد ; قاله
الحسن وقتادة . يقال : أراب الرجل فهو مريب إذا جاء بالريبة . وهو المشرك يدل عليه قوله تعالى :
الذي جعل مع الله إلها آخر وقيل : نزلت في
الوليد بن المغيرة . وأراد بقوله :
مناع للخير أنه كان يمنع بني أخيه من الإسلام .
فألقياه في العذاب الشديد تأكيد للأمر الأول .
قال قرينه ربنا ما أطغيته يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر العنيد تبرأ منه وكذبه .
ولكن كان في ضلال بعيد عن الحق وكان طاغيا
[ ص: 17 ] باختياره وإنما دعوته فاستجاب لي . وقرينه هنا هو شيطانه بغير اختلاف ؛ حكاه
المهدوي . وحكى
الثعلبي قال
ابن عباس ومقاتل : قرينه الملك ; وذلك أن
الوليد بن المغيرة يقول للملك الذي كان يكتب سيئاته : رب إنه أعجلني ، فيقول الملك :
ربنا ما أطغيته أي : ما أعجلته . وقال
سعيد بن جبير : يقول الكافر : رب إنه زاد علي في الكتابة ، فيقول الملك :
ربنا ما أطغيته أي : ما زدت عليه في الكتابة ; فحينئذ يقول الله تعالى :
لا تختصموا لدي يعني الكافرين وقرناءهم من الشياطين . قال
القشيري : وهذا يدل على أن القرين الشيطان .
وقد قدمت إليكم بالوعيد أي : أرسلت الرسل . وقيل : هذا خطاب لكل من اختصم . وقيل : هو للاثنين وجاء بلفظ الجمع .
ما يبدل القول لدي قيل هو قوله :
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وقيل هو قوله :
لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين . وقال
الفراء : ما يكذب عندي أي : ما يزاد في القول ولا ينقص لعلمي بالغيب .
وما أنا بظلام للعبيد أي : ما أنا بمعذب من لم يجرم ; قاله
ابن عباس . وقد مضى القول في معناه في " الحج " وغيرها .