الثالثة : استدل من فضل
آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة : اسجدوا
لآدم . قالوا : وذلك يدل على أنه كان أفضل منهم .
والجواب أن معنى
اسجدوا لآدم اسجدوا لي
[ ص: 277 ] مستقبلين وجه
آدم . وهو كقوله تعالى :
أقم الصلاة لدلوك الشمس أي عند دلوك الشمس وكقوله :
ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين . وقد بينا أن المسجود له لا يكون أفضل من الساجد بدليل القبلة .
فإن قيل : فإذا لم يكن أفضل منهم فما الحكمة في الأمر بالسجود له ؟ قيل له : إن الملائكة لما استعظموا بتسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم استغناءه عنهم وعن عبادتهم . وقال بعضهم : عيروا
آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به فأمروا بالسجود له تكريما . ويحتمل أن يكون الله تعالى أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم :
أتجعل فيها من يفسد فيها لما قال لهم :
إني جاعل في الأرض خليفة وكان علم منهم أنه إن خاطبهم أنهم قائلون هذا ، فقال لهم :
إني خالق بشرا من طين وجاعله خليفة ،
فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . والمعنى : ليكون ذلك عقوبة لكم في ذلك الوقت على ما أنتم قائلون لي الآن .
فإن قيل : فقد استدل
ابن عباس على فضل البشر بأن الله تعالى أقسم بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال :
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون . وأمنه من العذاب بقوله :
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . وقال للملائكة :
ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم . قيل له : إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بحياة نفسه سبحانه ، فلم يقل : لعمري . وأقسم بالسماء والأرض ، ولم يدل على أنهما أرفع قدرا من العرش والجنان السبع . وأقسم بالتين والزيتون . وأما قوله سبحانه :
ومن يقل منهم إني إله من دونه فهو نظير قوله لنبيه عليه السلام :
لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فليس فيه إذا دلالة ، والله أعلم .