قوله تعالى :
أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى قوله تعالى : أفرأيتم اللات والعزى لما ذكر الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر من آثار قدرته ما ذكر ، حاج المشركين إذ عبدوا ما لا يعقل وقال : أفرأيتم
[ ص: 93 ] هذه الآلهة التي تعبدونها أوحين إليكم شيئا كما أوحي إلى
محمد ؟ . وكانت اللات
لثقيف ، والعزى
لقريش وبني كنانة ، ومناة
لبني هلال . وقال
هشام :
فكانت مناة لهذيل وخزاعة ; فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح . ثم اتخذوا اللات
بالطائف ، وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مربعة ، وكان سدنتها من
ثقيف ، وكانوا قد بنوا عليها بناء ، فكانت
قريش وجميع العرب تعظمها . وبها كانت العرب تسمي زيد اللات وتيم اللات . وكانت في موضع منارة
مسجد الطائف اليسرى ، فلم تزل كذلك إلى أن أسلمت
ثقيف ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار . ثم اتخذوا العزى وهي أحدث من اللات ، اتخذها
ظالم بن أسعد ، وكانت
بوادي نخلة الشامية فوق
ذات عرق ، فبنوا عليها بيتا وكانوا يسمعون منها الصوت . قال
ابن هشام : وحدثني أبي عن
أبي صالح عن
ابن عباس قال :
كانت العزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة ، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال : ايت بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى فأتاها فعضدها فلما جاء إليه قال : هل رأيت شيئا ؟ قال : لا . قال : فاعضد الثانية فأتاها فعضدها ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل رأيت شيئا ؟ قال : لا . قال : فاعضد الثالثة فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها ، واضعة يديها على عاتقها تصرف بأنيابها ، وخلفها دبية السلمي وكان سادنها فقال : يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك
ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حممة ، ثم عضد الشجرة وقتل
دبية السادن ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : تلك العزى ولن تعبد أبدا وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير : العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه .
قتادة : نبت كان
ببطن نخلة . ومناة : صنم
لخزاعة . وقيل : إن اللات فيما ذكر بعض المفسرين أخذه المشركون من لفظ الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من منى الله الشيء إذا قدره . وقرأ
ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح " اللات " بتشديد التاء وقالوا : كان رجلا يلت السويق للحاج - ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
ابن عباس - فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه .
ابن عباس : كان يبيع السويق والسمن عند صخرة ويصبه عليها ، فلما مات ذلك الرجل عبدت
ثقيف تلك الصخرة إعظاما لصاحب السويق .
أبو صالح : إنما كان رجلا
بالطائف فكان يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق فلما مات عبدوه .
مجاهد : كان رجل في رأس جبل له غنيمة يسلي منها السمن ويأخذ منها الأقط ويجمع رسلها ، ثم يتخذ منها حيسا
[ ص: 94 ] فيطعم الحاج ، وكان
ببطن نخلة فلما مات عبدوه وهو اللات . وقال
الكلبي كان رجلا من
ثقيف يقال له
صرمة بن غنم . وقيل : إنه
عامر بن ظرب العدواني . قال الشاعر :
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها وكيف ينصركم من ليس ينتصر
والقراءة الصحيحة " اللات " بالتخفيف اسم صنم والوقوف عليها بالتاء وهو اختيار
الفراء . قال
الفراء : وقد رأيت
الكسائي سأل
أبا فقعس الأسدي فقال : ذاه لذات ولاه للات ، وقرأ " أفرأيتم اللاه " ، وكذا قرأ
الدوري عن
الكسائي والبزي عن
ابن كثير " اللاه " بالهاء في الوقف ، ومن قال : إن " اللات " من الله وقف بالهاء أيضا . وقيل : أصلها لاهة مثل شاة أصلها شاهة وهي من لاهت أي : اختفت ; قال الشاعر :
لاهت فما عرفت يوما بخارجة يا ليتها خرجت حتى رأيناها
وفي الصحاح : اللات اسم صنم كان
لثقيف وكان
بالطائف ، وبعض العرب يقف عليها بالتاء ، وبعضهم بالهاء ; قال
الأخفش : سمعنا من العرب من يقول اللات والعزى ، ويقول هي " اللات " فيجعلها تاء في السكوت وهي " اللات " فأعلم أنه جر في موضع الرفع ; فهذا مثل " أمس " مكسور على كل حال وهو أجود منه ; لأن الألف واللام اللتين في اللات لا تسقطان وإن كانتا زائدتين ; وأما ما سمعنا من الأكثر في اللات والعزى في السكوت عليها فاللاه لأنها هاء فصارت تاء في الوصل وهي في تلك اللغة مثل " كان " من الأمر كيت وكيت ، وكذلك " هيهات " في لغة من كسرها ; إلا أنه يجوز في " هيهات " أن تكون جماعة ولا يجوز ذلك في " اللات " ; لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف ، وإن جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد .
قوله تعالى :
ومناة الثالثة الأخرى قرأ
ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي والأعشى عن
أبي بكر " ومناءة " بالمد والهمز . والباقون بترك الهمز لغتان . وقيل : سمي بذلك ; لأنهم كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه . وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق فيها من الدماء . وكان
الكسائي وابن كثير وابن محيصن يقفون بالهاء على الأصل . الباقون بالتاء اتباعا لخط المصحف . وفي الصحاح : ومناة اسم صنم كان
لهذيل وخزاعة بين
مكة والمدينة ، والهاء للتأنيث ويسكت عليها بالتاء وهي لغة ، والنسبة إليها منوي .
وعبد مناة ابن أد بن طابخة ،
وزيد مناة ابن تميم بن مر يمد ويقصر ; قال
هوبر الحارثي :
[ ص: 95 ] ألا هل أتى التيم بن عبد مناءة على الشنء فيما بيننا ابن تميم
قوله تعالى : الأخرى العرب لا تقول للثالثة أخرى وإنما الأخرى نعت للثانية ، واختلفوا في وجهها فقال
الخليل : إنما قال ذلك لوفاق رءوس الآي ; كقوله :
مآرب أخرى ولم يقل أخر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14127الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير مجازها : أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة . وقيل : إنما قال
ومناة الثالثة الأخرى لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى فالكلام على نسقه . وقد ذكرنا عن
ابن هشام : أن مناة كانت أولا في التقديم ، فلذلك كانت مقدمة عندهم في التعظيم ; والله أعلم . وفي الآية حذف دل عليه الكلام ; أي أفرأيتم هذه الآلهة هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله .
ثم قال على جهة التقريع والتوبيخ :
ألكم الذكر وله الأنثى ردا عليهم قولهم : الملائكة بنات الله ، والأصنام بنات الله .
قوله تعالى : تلك إذا يعني هذه القسمة قسمة ضيزى أي جائرة عن العدل ، خارجة عن الصواب ، مائلة عن الحق . يقال : ضاز في الحكم أي جار ، وضاز حقه يضيزه ضيزا - عن
الأخفش - أي نقصه وبخسه . قال : وقد يهمز فيقال ضأزه يضأزه ضأزا وأنشد :
فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تقم فقسمك مضئوز وأنفك راغم
وقال
الكسائي : يقال : ضاز يضيز ضيزا ، وضاز يضوز ، وضأز يضأز ضأزا إذا ظلم وتعدى وبخس وانتقص ; قال الشاعر :
ضازت بنو أسد بحكمهم إذ يجعلون الرأس كالذنب
قوله تعالى :
قسمة ضيزى أي جائرة ، وهي فعلى مثل طوبى وحبلى ; وإنما كسروا الضاد لتسلم الياء ; لأنه ليس في الكلام فعلى صفة ، وإنما هو من بناء الأسماء كالشعرى والدفلى . قال
الفراء : وبعض العرب تقول ضوزى وضئزى بالهمز . وحكى
أبو حاتم عن
أبي زيد : أنه سمع العرب تهمز ( ضيزى ) . قال غيره : وبها قرأ
ابن كثير ; جعله مصدرا مثل ذكرى وليس بصفة ; إذ ليس في الصفات فعلى ولا يكون أصلها فعلى ; إذ ليس فيها ما يوجب القلب ، وهي من قولهم ضأزته أي ظلمته . فالمعنى قسمة ذات ظلم . وقد قيل هما لغتان بمعنى . وحكي فيها أيضا سواهما ضيزى وضأزى وضوزى وضؤزى . وقال
المؤرج : كرهوا ضم الضاد في ضيزى ، وخافوا انقلاب الياء واوا وهي من بنات الواو ; فكسروا الضاد لهذه العلة ، كما قالوا في جمع أبيض بيض ، والأصل بوض ; مثل حمر وصفر وخضر . فأما من قال : ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى .