قوله تعالى :
هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا قوله تعالى : هذا نذير من النذر الأولى قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب : يريد أن
محمدا صلى الله عليه وسلم نذير بالحق الذي أنذر به الأنبياء قبله ، فإن أطعتموه أفلحتم ، وإلا حل بكم ما حل بمكذبي الرسل السالفة . وقال
قتادة : يريد القرآن ، وأنه نذير بما أنذرت به الكتب الأولى . وقيل : أي هذا الذي أخبرنا به من أخبار الأمم الماضية الذين هلكوا تخويف لهذه الأمة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك من النذر أي مثل النذر ; والنذر في قول العرب بمعنى الإنذار كالنكر بمعنى الإنكار ; أي هذا إنذار لكم . وقال
أبو مالك : هذا الذي أنذرتكم به من وقائع الأمم الخالية هو في صحف
إبراهيم وموسى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أخبرني
أبو صالح قال : هذه الحروف
[ ص: 112 ] التي ذكر الله تعالى من قوله تعالى :
أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم إلى قوله :
هذا نذير من النذر الأولى كل هذه في صحف
إبراهيم وموسى .
قوله تعالى :
أزفت الآزفة أي قربت الساعة ودنت القيامة . وسماها " آزفة " لقرب قيامها عنده ; كما قال :
يرونه بعيدا ونراه قريبا . وقيل : سماها " آزفة " لدنوها من الناس وقربها منهم ليستعدوا لها ; لأن كل ما هو آت قريب . قال :
أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد
وفي الصحاح : أزف الترحل يأزف أزفا أي دنا وأفد ; ومنه قوله تعالى :
أزفت الآزفة يعني القيامة ، وأزف الرجل أي عجل فهو آزف على فاعل ، والمتآزف القصير وهو المتداني . قال أبو زيد : قلت لأعرابي ما المحبنطئ ؟ قال : المتكأكئ . قلت : ما المتكأكئ ؟ قال : المتآزف . قلت : ما المتآزف ؟ قال : أنت أحمق وتركني ومر .
ليس لها من دون الله كاشفة أي ليس لها من دون الله من يؤخرها أو يقدمها . وقيل : كاشفة أي : انكشاف أي لا يكشف عنها ولا يبديها إلا الله ; فالكاشفة اسم بمعنى المصدر والهاء فيه كالهاء في العاقبة والعافية والداهية والباقية ; كقولهم : ما لفلان من باقية أي من بقاء . وقيل : أي لا أحد يرد ذلك ; أي أن القيامة إذا قامت لا يكشفها أحد من آلهتهم ولا ينجيهم غير الله تعالى . وقد سميت القيامة " غاشية " ، فإذا كانت غاشية كان ردها كشفا ، فالكاشفة على هذا نعت مؤنث محذوف ; أي نفس كاشفة أو فرقة كاشفة أو حال كاشفة . وقيل : إن كاشفة بمعنى كاشف والهاء للمبالغة مثل راوية وداهية .
قوله تعالى :
أفمن هذا الحديث يعني القرآن . وهذا استفهام توبيخ تعجبون تكذيبا به وتضحكون استهزاء ولا تبكون انزجارا وخوفا من الوعيد . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رئي بعد نزول هذه الآية ضاحكا إلا تبسما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866283لما نزلت أفمن هذا الحديث تعجبون قال أهل الصفة : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ثم بكوا حتى جرت دموعهم على خدودهم ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يلج النار من بكى من خشية الله ولا يدخل الجنة مصر على معصية الله ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيغفر لهم ويرحمهم إنه هو الغفور الرحيم . وقال
[ ص: 113 ] أبو حازم :
نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يبكي ، فقال له : من هذا ؟ قال : هذا فلان ; فقال جبريل : إنا نزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء ، فإن الله تعالى ليطفئ بالدمعة الواحدة بحورا من جهنم .
قوله تعالى :
وأنتم سامدون أي لاهون معرضون . عن
ابن عباس ; رواه
الوالبي والعوفي عنه . وقال
عكرمة عنه : هو الغناء بلغة
حمير ; يقال : سمد لنا أي غن لنا ، فكانوا إذا سمعوا القرآن يتلى تغنوا ولعبوا حتى لا يسمعوا . وقال
الضحاك : سامدون : شامخون متكبرون . وفي الصحاح : سمد سمودا رفع رأسه تكبرا وكل رافع رأسه فهو سامد ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
سوامد الليل خفاف الأزواد
يقول : ليس في بطونها علف . وقال
ابن الأعرابي : سمدت سمودا علوت . وسمدت الإبل في سيرها جدت . والسمود اللهو ، والسامد اللاهي ; يقال للقينة : أسمدينا ; أي ألهينا بالغناء . وتسميد الأرض أن يجعل فيها السماد وهو سرجين ورماد . وتسميد الرأس استئصال شعره ، لغة في التسبيد . واسمأد الرجل بالهمز اسمئدادا أي ورم غضبا . وروي عن
علي رضي الله عنه أن معنى سامدون أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين الصلاة . وقال
الحسن : واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام ; ومنه ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500520عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج والناس ينتظرونه قياما فقال : ما لي أراكم سامدين حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وذكره
المهدوي عن
علي ، وأنه خرج إلى الصلاة فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال : ما لكم سامدون ؛ قاله
المهدوي . والمعروف في اللغة : سمد يسمد سمودا إذا لها وأعرض . وقال
المبرد : سامدون : خامدون ; قال الشاعر :
أتى الحدثان نسوة آل حرب بمقدور سمدن له سمودا
وقال
صالح أبو الخليل :
لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون لم ير ضاحكا إلا مبتسما حتى مات صلى الله عليه وسلم ؛ ذكره
النحاس .
[ ص: 114 ] قوله تعالى : فاسجدوا لله واعبدوا قيل : المراد به سجود تلاوة القرآن . وهو قول
ابن مسعود . وبه قال
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . وقد تقدم أول السورة من حديث
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها وسجد معه المشركون . وقيل : إنما
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500521سجد معه المشركون لأنهم سمعوا أصوات الشياطين في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأنه قال : تلك الغرانيق العلا وشفاعتهن ترتجى . كذا في رواية
سعيد بن جبير ترتجى . وفي رواية
أبي العالية وشفاعتهن ترتضى ، ومثلهن لا ينسى . ففرح المشركون وظنوا أنه من قول
محمد صلى الله عليه وسلم على ما تقدم بيانه في ( الحج ) . فلما بلغ الخبر
بالحبشة من كان بها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجعوا ظنا منهم أن
أهل مكة آمنوا ; فكان
أهل مكة أشد عليهم وأخذوا في تعذيبهم إلى أن كشف الله عنهم . وقيل : المراد سجود الفرض في الصلاة وهو قول
ابن عمر ; كان لا يراها من عزائم السجود . وبه قال
مالك . وروى
أبي بن كعب رضي الله عنه :
كان آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك السجود في المفصل . والأول أصح وقد مضى القول فيه آخر ( الأعراف ) مبينا والحمد لله رب العالمين . تم تفسير سورة " والنجم " .