قوله تعالى :
أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر قوله تعالى : أكفاركم خير من أولئكم خاطب العرب . وقيل : أراد كفار أمة
محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : استفهام ، وهو استفهام إنكار ومعناه النفي ; أي ليس كفاركم خيرا من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم .
أم لكم براءة في الزبر أي في الكتب المنزلة على الأنبياء بالسلامة من العقوبة . وقال
ابن عباس : أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب .
أم يقولون نحن جميع منتصر أي جماعة لا تطاق لكثرة عددهم وقوتهم ، ولم يقل
[ ص: 133 ] منتصرين اتباعا لرءوس الآي ; فرد الله عليهم فقال :
سيهزم الجمع أي جمع كفار
مكة ، وقد كان ذلك يوم
بدر وغيره . وقراءة العامة سيهزم بالياء على ما لم يسم فاعله " الجمع " بالرفع . وقرأ
رويس عن
يعقوب " سنهزم " بالنون وكسر الزاي " الجمع " نصبا .
ويولون الدبر قراءة العامة بالياء على الخبر عنهم . وقرأ
عيسى nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق ورويس عن
يعقوب " وتولون " بالتاء على الخطاب . و " الدبر " اسم جنس كالدرهم والدينار فوحد والمراد الجمع لأجل رءوس الآي . وقال
مقاتل :
ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال : نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه ; فأنزل الله تعالى : نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر . وقال
سعيد بن جبير : قال
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص :
لما نزل قوله تعالى : سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدري أي الجمع ينهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول : اللهم إن قريشا جاءتك تحادك وتحاد رسولك بفخرها وخيلائها فأخنهم الغداة ثم قال : سيهزم الجمع ويولون الدبر فعرفت تأويلها . وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر . أخنى عليه الدهر : أي أتى عليه وأهلكه ، ومنه قول
النابغة :
أخنى عليه الذي أخنى على لبد
وأخنيت عليه : أفسدت . قال
ابن عباس : كان بين نزول هذه الآية وبين
بدر سبع سنين ; فالآية على هذا مكية . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=831275عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب : بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر . وعن
ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=831276أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر : أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك ; وهو في الدرع فخرج وهو يقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم يريد القيامة .
والساعة أدهى وأمر أي أدهى وأمر مما لحقهم يوم
بدر . وأدهى من الداهية وهي الأمر العظيم ; يقال : دهاه أمر كذا - أي أصابه - دهوا ودهيا . وقال
ابن السكيت : دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها .