قوله تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
والذين جاءوا من بعدهم يعني التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى : الناس على ثلاثة منازل :
المهاجرون ، والذين تبوءوا الدار والإيمان ، والذين جاءوا من بعدهم . فاجهد ألا تخرج من هذه المنازل . وقال بعضهم : كن شمسا ، فإن لم تستطع فكن قمرا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا ، ومن جهة النور لا تنقطع . ومعنى هذا : كن مهاجريا . فإن قلت : لا أجد ، فكن أنصاريا . فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم ، فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله . وروى
مصعب بن سعد قال : الناس على ثلاثة منازل ، فمضت منزلتان وبقيت منزلة ; فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده
علي بن الحسين رضي الله عنه ، أنه جاءه رجل فقال له : يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما تقول في
عثمان ؟ فقال له : يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم :
للفقراء المهاجرين الآية . قال : لا . قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية فأنت من قوم قال الله فيهم :
والذين تبوءوا الدار والإيمان الآية . قال : لا . قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى :
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان الآية . وقد قيل : إن
محمد بن علي بن الحسين ، رضي الله عنهم ، روى عن أبيه : أن نفرا من
أهل العراق جاءوا إليه ، فسبوا
أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ثم
عثمان [ ص: 30 ] - رضي الله عنه - فأكثروا ; فقال لهم : أمن
المهاجرين الأولين أنتم ؟ قالوا : لا . فقال : أفمن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ؟ فقالوا : لا . فقال : قد تبرأتم من هذين الفريقين ! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل :
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم قوموا ، فعل الله بكم وفعل ذكره
النحاس .
الثانية : هذه الآية دليل على وجوب
محبة الصحابة ; لأنه جعل لمن بعدهم حظا في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم ، وأن من سبهم أو واحدا منهم أو اعتقد فيه شرا أنه لا حق له في الفيء ; روي ذلك عن
مالك وغيره . قال
مالك : من كان يبغض أحدا من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كان في قلبه عليهم غل ، فليس له حق في فيء المسلمين ; ثم قرأ :
والذين جاءوا من بعدهم الآية .
الثالثة : هذه الآية تدل على أن الصحيح من أقوال العلماء
قسمة المنقول ، وإبقاء العقار والأرض شملا بين المسلمين أجمعين ; كما فعل
عمر رضي الله عنه ; إلا أن يجتهد الوالي فينفذ أمرا فيمضي عمله فيه لاختلاف الناس عليه وأن هذه الآية قاضية بذلك ; لأن الله تعالى أخبر عن الفيء وجعله لثلاث طوائف :
المهاجرين والأنصار - وهم معلومون -
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان . فهي عامة في جميع التابعين والآتين بعدهم إلى يوم الدين . وفي الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831372أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أن رأيت إخواننا " . قالوا : يا رسول الله ، ألسنا بإخوانك ؟ فقال : " بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض " . فبين صلى الله عليه وسلم أن إخوانهم كل من يأتي بعدهم ; لا كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي والكلبي : إنهم الذين هاجروا بعد ذلك . وعن
الحسن أيضا
والذين جاءوا من بعدهم من قصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة بعد انقطاع الهجرة .
الرابعة : قوله تعالى : يقولون نصب في موضع الحال ; أي قائلين .
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان فيه وجهان : أحدهما : أمروا أن يستغفروا لمن سبق هذه الأمة من مؤمني أهل الكتاب . قالت
عائشة رضي الله عنها : فأمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم . الثاني : أمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من
المهاجرين والأنصار . قال
ابن عباس :
أمر [ ص: 31 ] الله تعالى بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يعلم أنهم سيفتنون .
nindex.php?page=hadith&LINKID=865107وقالت عائشة : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد فسببتموهم ، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها " وقال
ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500533 " إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعن الله أشركم " . وقال
العوام بن حوشب : أدركت صدر هذه الأمة يقولون : اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب ، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس عليهم . وقال
الشعبي : تفاضلت
اليهود والنصارى على
الرافضة بخصلة ، سئلت
اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب
موسى . وسئلت
النصارى : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب
عيسى . وسئلت
الرافضة من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب
محمد ، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة ، لا تقوم لهم راية ، ولا تثبت لهم قدم ، ولا تجتمع لهم كلمة ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وإدحاض حجتهم . أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة .
ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم أي حقدا وحسدا
ربنا إنك رءوف رحيم