قوله تعالى :
لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون
قوله تعالى :
لا يقاتلونكم جميعا يعني
اليهود إلا في قرى محصنة أي بالحيطان والدور ; يظنون أنها تمنعهم منكم .
أو من وراء جدر أي من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم . وقراءة العامة ( جدر ) على الجمع ، وهو اختيار
أبي عبيدة وأبي حاتم ; لأنها نظير قوله تعالى :
في قرى محصنة وذلك جمع . وقرأ
ابن عباس ومجاهد وابن كثير وابن [ ص: 33 ] محيصن وأبو عمرو " جدار " على التوحيد ; لأن التوحيد يؤدي عن الجمع . وروي عن بعض المكيين " جدر " ( بفتح الجيم وإسكان الدال ) ; وهي لغة في الجدار . ويجوز أن يكون معناه من وراء نخيلهم وشجرهم ; يقال : أجدر النخل إذا طلعت رءوسه في أول الربيع . والجدر : نبت واحدته جدرة . وقرئ " جدر " ( بضم الجيم وإسكان الدال ) جمع الجدار . ويجوز أن تكون الألف في الواحد كألف كتاب ، وفي الجمع كألف ظراف . ومثله ناقة هجان ونوق هجان ; لأنك تقول في التثنية : هجانان ; فصار لفظ الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى ; قاله
ابن جني .
قوله تعالى :
بأسهم بينهم شديد يعني عداوة بعضهم لبعض . وقال
مجاهد :
بأسهم بينهم شديد أي بالكلام والوعيد لنفعلن كذا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحد . وقيل :
بأسهم بينهم شديد أي إذا لم يلقوا عدوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس ، ولكن إذا لقوا العدو انهزموا .
تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى يعني
اليهود والمنافقين ; قاله
مجاهد . وعنه أيضا يعني المنافقين .
الثوري : هم المشركون وأهل الكتاب . وقال
قتادة : تحسبهم جميعا أي مجتمعين على أمر ورأي .
وقلوبهم شتى متفرقة . فأهل الباطل مختلفة آراؤهم ، مختلفة شهادتهم ، مختلفة أهواؤهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق . وعن
مجاهد أيضا : أراد أن دين المنافقين مخالف لدين
اليهود ; وهذا ليقوي أنفس المؤمنين عليهم . وقال الشاعر :
إلى الله أشكو نية شقت العصا هي اليوم شتى وهي أمس جمع
وفي قراءة
ابن مسعود " وقلوبهم أشت " يعني أشد تشتيتا ; أي أشد اختلافا .
ذلك بأنهم قوم لا يعقلون أي ذلك التشتيت والكفر بأنهم لا عقل لهم يعقلون به أمر الله .