قوله تعالى :
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص [ ص: 73 ] فيه ثلاث مسائل :
الأولى :
قوله تعالى : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا أي يصفون صفا : والمفعول مضمر ; أي يصفون أنفسهم صفا .
كأنهم بنيان مرصوص قال
الفراء : مرصوص بالرصاص . وقال
المبرد : هو من رصصت البناء إذا أمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة . وقيل : هو من الرصيص وهو انضمام الأسنان بعضها إلى بعض . والتراص التلاصق ; ومنه وتراصوا في الصف . ومعنى الآية : يحب من يثبت في الجهاد في سبيل الله ويلزم مكانه كثبوت البناء . وقال
سعيد بن جبير : هذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم .
الثانية : وقد استدل بعض أهل التأويل بهذا على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس ، لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة .
المهدوي : وذلك غير مستقيم ، لما جاء في فضل الفارس في الأجر والغنيمة . ولا يخرج الفرسان من معنى الآية ; لأن معناه الثبات .
الثالثة : لا يجوز
الخروج عن الصف إلا لحاجة تعرض للإنسان ، أو في رسالة يرسلها الإمام ، أو في منفعة تظهر في المقام ، كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها . وفي الخروج عن الصف للمبارزة خلاف على قولين أحدهما أنه لا بأس بذلك إرهابا للعدو ، وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال . وقال أصحابنا : لا يبرز أحد طالبا لذلك ، لأن فيه رياء وخروجا إلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو . وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر ; كما كانت في حروب النبي صلى الله عليه وسلم يوم
بدر وفي غزوة
خيبر ، وعليه درج السلف . وقد مضى القول مستوفى في هذا في " البقرة " عند قوله تعالى :
ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة .