قوله تعالى :
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين .
فيه سبع عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى :
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها في صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=831406أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة ، فجاءت عير من الشام فانفتل [ ص: 100 ] الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا - في رواية : أنا فيهم - فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . في رواية : فيهم
أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . وقد ذكر
الكلبي وغيره : أن الذي قدم بها
nindex.php?page=showalam&ids=202دحية بن خليفة الكلبي من
الشام عند مجاعة وغلاء سعر ، وكان معه جميع ما يحتاج الناس من بر ودقيق وغيره ، فنزل عند أحجار الزيت ، وضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه ; فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا . وقيل : أحد عشر رجلا . قال
الكلبي : وكانوا في خطبة الجمعة فانفضوا إليها ، وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية رجال ; حكاه
الثعلبي عن
ابن عباس ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=865177 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا يوم الجمعة إذ أقبلت عير تحمل الطعام حتى نزلت بالبقيع ; فالتفتوا إليها وانفضوا إليها وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معه إلا أربعون رجلا أنا فيهم . قال : وأنزل الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : لم يقل في هذا الإسناد " إلا أربعين رجلا " غير
nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم عن
حصين ، وخالفه أصحاب
حصين فقالوا : لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا . وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :
" والذي نفسي بيده لو خرجوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي نارا " ; ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . وروي في حديث مرسل أسماء الاثني عشر رجلا ، رواه
أسد بن عمرو والد أسد بن موسى بن أسد . وفيه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق معه إلا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن [ ص: 101 ] الجراح ، nindex.php?page=showalam&ids=85وسعيد بن زيد وبلال ، nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود في إحدى الروايتين . وفي الرواية الأخرى
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر .
قلت : لم يذكر
جابرا ; وقد ذكر
مسلم أنه كان فيهم ;
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني أيضا . فيكونون ثلاثة عشر . وإن كان
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود فيهم فهم أربعة عشر . وقد ذكر
أبو داود في مراسيله السبب الذي ترخصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة ، وقد كانوا خليقا بفضلهم ألا يفعلوا ; فقال : حدثنا
محمود بن خالد قال : حدثنا
الوليد ، قال : أخبرني
أبو معاذ بكر بن معروف أنه سمع
مقاتل بن حيان قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وقد صلى الجمعة ، فدخل رجل فقال : إن nindex.php?page=showalam&ids=202دحية بن خليفة الكلبي قدم بتجارة ، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف ; فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء ; فأنزل الله عز وجل : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها . فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة . وكان لا يخرج أحد لرعاف أو أحداث بعد النهي حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ، يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام ; فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ثم يشير إليه بيده . فكان من المنافقين من ثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد ، وكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه مستترا به حتى يخرج ; فأنزل الله تعالى :
قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا الآية . قال
السهيلي : وهذا الخبر وإن لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوجب أن يكون صحيحا . وقال
قتادة : وبلغنا أنهم فعلوه ثلاث مرات ; كل مرة عير تقدم من
الشام ، وكل ذلك يوافق يوم الجمعة . وقيل : إن خروجهم لقدوم
nindex.php?page=showalam&ids=202دحية الكلبي بتجارته ونظرهم إلى العير تمر - لهو لا فائدة فيه ; إلا أنه كان مما لا إثم فيه لو وقع على غير ذلك الوجه ، ولكنه لما اتصل به الإعراض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والانفضاض عن حضرته ، غلظ وكبر ونزل فيه من القرآن وتهجينه باسم اللهو ما نزل . وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831407 " كل ما يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه " . الحديث . وقد مضى في سورة " الأنفال " فلله الحمد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله : كانت الجواري إذا نكحن يمررن بالمزامير والطبل فانفضوا إليها ; فنزلت . وإنما رد الكناية إلى التجارة لأنها أهم . وقرأ
طلحة بن [ ص: 102 ] مصرف " وإذا رأوا التجارة واللهو انفضوا إليها " . وقيل : المعنى وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، أو لهوا انفضوا إليه فحذف لدلالته . كما قال :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وقيل : الأجود في العربية أن يجعل الراجع في الذكر للآخر من الاسمين .
الثانية : واختلف العلماء في
العدد الذي تنعقد به الجمعة على أقوال ; فقال
الحسن : تنعقد الجمعة باثنين . وقال
الليث وأبو يوسف : تنعقد بثلاثة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : بأربعة . وقال
ربيعة : باثني عشر رجلا . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15386النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان قال : حدثنا
أبو خالد يزيد بن الهيثم بن طهمان الدقاق ، حدثنا
صبح بن دينار قال : حدثنا
المعافى بن عمران حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17119معقل بن عبيد الله عن
الزهري بسنده إلى
nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى
المدينة ، وأنه نزل في دار
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ، فجمع بهم وهم اثنا عشر رجلا ، ذبح لهم يومئذ شاة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : بأربعين رجلا . وقال
أبو إسحاق الشيرازي في ( كتاب التنبيه على مذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) : كل قرية فيها أربعون رجلا بالغين عقلاء أحرارا مقيمين ، لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة ، وأن يكونوا حاضرين من أول الخطبة إلى أن تقام الجمعة وجبت عليهم الجمعة . ومال
أحمد وإسحاق إلى هذا القول ولم يشترطا هذه الشروط . وقال
مالك : إذا كانت قرية فيها سوق ومسجد فعليهم الجمعة من غير اعتبار عدد . وكتب
عمر بن عبد العزيز : أي قرية اجتمع فيها ثلاثون بيتا فعليهم الجمعة . وقال
أبو حنيفة : لا تجب الجمعة على أهل السواد والقرى ، لا يجوز لهم إقامتها فيها . واشترط في وجوب الجمعة وانعقادها : المصر الجامع ، والسلطان القاهر ، والسوق القائمة ، والنهر الجاري . واحتج بحديث
علي : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ورفقة تعينهم . وهذا يرده حديث
ابن عباس ، قال : إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرية من قرى
البحرين يقال لها
جواثي . وحجة الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأربعين حديث
جابر المذكور الذي خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . وفي سنن
ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني أيضا ودلائل النبوة
nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال : كنت قائد أبي حين ذهب بصره ، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان ، صلى على
أبي أمامة واستغفر له - قال - فمكث كذلك حينا لا يسمع الأذان بالجمعة إلا فعل ذلك ; فقلت له : يا أبة ، استغفارك
[ ص: 103 ] لأبي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ، ما هو ؟ قال : أي بني ، هو أول من جمع
بالمدينة في هزم من حرة
بني بياضة يقال له
نقيع الخضمات ; قال : قلت : كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865182مضت السنة أن في كل ثلاثة إماما ، وفي كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرا ، وذلك أنهم جماعة . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15386أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد : قرئ على
nindex.php?page=showalam&ids=12135عبد الملك بن محمد الرقاشي وأنا أسمع : حدثني
رجاء بن سلمة قال : حدثنا أبي قال : حدثنا
روح بن غطيف الثقفي قال حدثني
الزهري عن أبي سلمة قال : قلت nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة : على كم تجب الجمعة من رجل ؟ قال : لما بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا جمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قرئ على
عبد الملك بن محمد وأنا أسمع قال : حدثنا
رجاء بن سلمة قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16287عباد بن عباد المهلبي عن
جعفر بن الزبير عن
القاسم عن
أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" تجب الجمعة على خمسين رجلا ولا تجب على من دون ذلك " . قال
ابن المنذر : وكتب
عمر بن عبد العزيز : أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلا فليصلوا الجمعة . وروى
الزهري عن
أم عبد الله الدوسية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة " . يعني بالقرى : المدائن . لا يصح هذا عن
الزهري . في رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865186 " الجمعة واجبة على أهل كل قرية وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم إمامهم " .
الزهري : لا يصح سماعه من
الدوسية . والحكم هذا متروك .
الثالثة : وتصح
الجمعة بغير إذن الإمام وحضوره . وقال
أبو حنيفة : من شرطها الإمام أو خليفته . ودليلنا أن
الوليد بن عقبة والي
الكوفة أبطأ يوما فصلى
ابن مسعود بالناس من غير
[ ص: 104 ] إذنه . وروي أن
عليا صلى الجمعة يوم حصر
عثمان ولم ينقل أنه استأذنه . وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=74سعيد بن العاصي والي
المدينة لما خرج من
المدينة صلى
أبو موسى بالناس الجمعة من غير استئذان . وقال
مالك : إن لله فرائض في أرضه لا يضيعها ; وليها وال أو لم يلها .
الرابعة : قال علماؤنا : من شرط أدائها
المسجد المسقف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ولا أعلم وجهه . قلت : وجهه قوله تعالى :
وطهر بيتي للطائفين ، وقوله :
في بيوت أذن الله أن ترفع . وحقيقة البيت أن يكون ذا حيطان وسقف . هذا العرف ، والله أعلم .
الخامسة : قوله تعالى :
وتركوك قائما شرط في
قيام الخطيب على المنبر إذا خطب . قال
علقمة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831409سئل عبد الله أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما أو قاعدا ؟ فقال : أما تقرأ " وتركوك قائما " . وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة أنه دخل المسجد
وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا فقال : انظروا إلى هذا الخبيث ، يخطب قاعدا ! وقال الله تعالى :
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . وخرج عن
جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=831410أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب ; فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ; فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة . وعلى هذا جمهور الفقهاء وأئمة العلماء . وقال
أبو حنيفة : ليس القيام بشرط فيها . ويروى أن أول من خطب قاعدا
معاوية . وخطب
عثمان قائما حتى رق فخطب قاعدا . وقيل : إن
معاوية إنما خطب قاعدا لسنه . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500534كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم ولا يتكلم في قعدته . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة . ورواه
ابن عمر في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
السادسة :
والخطبة شرط في انعقاد الجمعة لا تصح إلا بها ; وهو قول جمهور العلماء . وقال
الحسن : هي مستحبة . وكذا قال
ابن الماجشون : إنها سنة وليست بفرض . وقال
سعيد بن جبير : هي بمنزلة الركعتين من صلاة الظهر ; فإذا تركها وصلى الجمعة فقد ترك الركعتين من صلاة الظهر . والدليل على وجوبها قوله تعالى :
وتركوك قائما . وهذا ذم ، والواجب هو الذي يذم تاركه شرعا ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا بخطبة .
[ ص: 105 ] السابعة :
ويخطب متوكئا على قوس أو عصا . وفي سنن
ابن ماجه قال : حدثنا
هشام بن عمار حدثنا
عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده
nindex.php?page=hadith&LINKID=831411أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس ، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا .
الثامنة : ويسلم إذا صعد المنبر على الناس عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره . ولم يره
مالك . وقد روى
ابن ماجه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=831412أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر سلم .
التاسعة :
فإن خطب على غير طهارة الخطبة كلها أو بعضها أساء عند
مالك ; ولا إعادة عليه إذا صلى طاهرا .
nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قولان في إيجاب الطهارة ; فشرطها في الجديد ولم يشترطها في القديم . وهو قول
أبي حنيفة .
العاشرة : وأقل
ما يجزي في الخطبة أن يحمد الله ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويوصي بتقوى الله ويقرأ آية من القرآن . ويجب في الثانية أربع كالأولى ; إلا أن الواجب بدلا من قراءة الآية في الأولى الدعاء ; قاله أكثر الفقهاء . وقال
أبو حنيفة : لو اقتصر على التحميد أو التسبيح أو التكبير أجزأه . وعن
عثمان رضي الله عنه أنه صعد المنبر فقال : الحمد لله ، وارتج عليه فقال : إن
أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا ، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ، وستأتيكم الخطب ; ثم نزل فصلى . وكان ذلك بحضرة الصحابة فلم ينكر عليه أحد . وقال
أبو يوسف ومحمد : الواجب ما تناوله اسم خطبة . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . قال
أبو عمر بن عبد البر : وهو أصح ما قيل في ذلك .
الحادية عشرة : في صحيح
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=831413عن nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر " ونادوا يا مالك " . وفيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=831414عن عمرة بنت عبد الرحمن عن أخت لعمرة قالت : ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة . وقد مضى في أول " ق " . وفي مراسيل
أبي داود عن الزهري قال : كان صدر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . ونشهد أن لا إله إلا الله ; وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله [ ص: 106 ] بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة . من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى . نسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ، ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه ، فإنما نحن به وله " . وعنه قال : بلغنا
nindex.php?page=hadith&LINKID=865194عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب : " كل ما هو آت قريب ، ولا بعد لما هو آت ، لا يعجل الله لعجلة أحد ، ولا يخف لأمر الناس ، ما شاء الله لا ما شاء الناس . يريد الله أمرا ويريد الناس أمرا ، ما شاء الله كان ولو كره الناس . ولا مبعد لما قرب الله ، ولا مقرب لما بعد الله . لا يكون شيء إلا بإذن الله جل وعز " . وقال
جابر :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب فيقول بعد أن يحمد الله ويصلي على أنبيائه : " أيها الناس ، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم . إن العبد المؤمن بين مخافتين ؛ بين أجل قد مضى لا يدري ما الله قاض فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله صانع فيه . فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الشبيبة قبل الكبر ، ومن الحياة قبل الممات . والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب ، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " . وقد تقدم ما خطب به عليه الصلاة والسلام أول جمعة عند قدومه
المدينة .
الثانية عشرة :
السكوت للخطبة واجب على من سمعها وجوب سنة . والسنة أن يسكت لها من يسمع ومن لم يسمع ، وهما إن شاء الله في الأجر سواء . ومن تكلم حينئذ لغا ; ولا تفسد صلاته بذلك . وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831415 " إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت " .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإذا قال المنصت لصاحبه : صه ; فقد لغا ، أفلا يكون الخطيب الغالي في ذلك لاغيا ؟ نعوذ بالله من غربة الإسلام ونكد الأيام .
[ ص: 107 ] الثالثة عشرة : ويستقبل الناس
الإمام إذا صعد المنبر ; لما رواه
أبو داود مرسلا
عن أبان بن عبد الله قال : كنت مع عدي بن ثابت يوم الجمعة ; فلما خرج الإمام - أو قال صعد المنبر - استقبله وقال : هكذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم . خرجه
ابن ماجه عن
عدي بن ثابت عن أبيه ; فزاد في الإسناد : عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831416كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم . قال
ابن ماجه : أرجو أن يكون متصلا .
قلت : وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا
محمد بن معمر قال : حدثنا
عبد الله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14392عباد بن يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14897محمد بن الفضل الخراساني عن
منصور عن
إبراهيم عن
علقمة nindex.php?page=hadith&LINKID=831417عن عبد الله قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا . تفرد به
محمد بن الفضل بن عطية عن
منصور .
الرابعة عشرة : ولا يركع من
دخل المسجد والإمام يخطب ; عند
مالك رحمه الله . وهو قول
ابن شهاب رحمه الله وغيره . وفي الموطأ عنه : فخروج الإمام يقطع الصلاة ، وكلامه يقطع الكلام . وهذا مرسل . وفي صحيح
مسلم من حديث
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831418 " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " . وهذا نص في الركوع . وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره .
الخامسة عشرة : ذكر
ابن عون عن
ابن سيرين قال : كانوا يكرهون النوم والإمام يخطب ويقولون فيه قولا شديدا . قال
ابن عون : ثم لقيني بعد ذلك فقال : تدري ما يقولون ؟ قال : يقولون مثلهم كمثل سرية أخفقوا ; ثم قال : هل تدري ما أخفقوا ؟ لم تغنم شيئا . وعن
سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865201 " إذا نعس أحدكم فليتحول إلى مقعد صاحبه وليتحول صاحبه إلى مقعده " .
السادسة عشرة : نذكر فيها من
فضل الجمعة وفرضيتها ما لم نذكره . روى الأئمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=831419أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال : " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم [ ص: 108 ] وهو يصلي يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه إياه " وأشار بيده يقللها . وفي صحيح
مسلم من حديث
أبي موسى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831420 " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة " . وروي من حديث
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=865204أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ علينا ذات يوم ; فلما خرج قلنا : احتبست ! قال : " ذلك أن جبريل أتاني بكهيئة المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء ، فقلت : ما هذه يا جبريل ؟ قال : هذه الجمعة فيها خير لك ولأمتك ، وقد أرادها اليهود والنصارى فأخطئوها وهداكم الله لها . قلت : يا جبريل ما هذه النكتة السوداء ؟ قال : هذه الساعة التي في يوم الجمعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه ، أو ادخر له مثله يوم القيامة ، أو صرف عنه من السوء مثله ، وإنه خير الأيام عند الله ، وإن أهل الجنة يسمونه يوم المزيد " . وذكر الحديث . وذكر
ابن المبارك ويحيى بن سلام قالا : حدثنا
المسعودي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو عن
أبي عبيدة بن عبد الله بن عتبة عن
ابن مسعود قال : تسارعوا إلى الجمعة ، فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض ، فيكونون منه في القرب - قال
ابن المبارك - على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا . وقال
يحيى بن سلام : كمسارعتهم إلى الجمعة في الدنيا . وزاد : فيحدث لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك . قال
يحيى : وسمعت غير
المسعودي يزيد فيه : وهو قوله تعالى :
ولدينا مزيد .
قلت : قوله : " في كثيب " يريد أهل الجنة . أي وهم على كثيب ; كما روى
الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم في كل جمعة على كثيب من كافور لا يرى طرفاه ، وفيه نهر جار حافتاه المسك ، عليه جوار يقرأن القرآن بأحسن أصوات سمعها الأولون والآخرون ، فإذا انصرفوا إلى منازلهم أخذ كل رجل بيد ما شاء منهن ، ثم يمرون على قناطر من لؤلؤ إلى منازلهم ، فلولا أن الله يهديهم إلى منازلهم ما اهتدوا إليها لما يحدث الله لهم [ ص: 109 ] في كل جمعة " ذكره
يحيى بن سلام . وعن
أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" ليلة أسري بي رأيت تحت العرش سبعين مدينة ، كل مدينة مثل مدائنكم هذه سبعين مرة مملوءة من الملائكة يسبحون الله ويقدسونه ويقولون في تسبيحهم : اللهم اغفر لمن شهد الجمعة ، اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة " ذكره
الثعلبي . وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14839القاضي الشريف أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العيسوي من ولد عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865207 " إن الله عز وجل يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ويبعث الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها ، ألوانهم كالثلج بياضا ، وريحهم يسطع كالمسك ، يخوضون في جبال الكافور ، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا يدخلون الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون " . وفي سنن
ابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=831421 " الجمعة إلى الجمعة كفارة ما بينهما ما لم تغش الكبائر " خرجه
مسلم بمعناه . وعن
أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831422 " من غسل يوم الجمعة واغتسل ، وبكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة عمل سنة ، أجر صيامها وقيامها " .
nindex.php?page=hadith&LINKID=831423وعن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا . وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا . وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتؤجروا . واعلموا أن الله قد فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة ، فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي ، وله إمام عادل أو جائر ، استخفافا بها ، أو جحودا لها ، فلا جمع الله شمله ، ولا بارك له في أمره . ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له . ألا ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب ، فمن تاب تاب الله عليه . ألا لا تؤمن امرأة رجلا ، ولا يؤم أعرابي مهاجرا ، ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن [ ص: 110 ] يقهره سلطان يخاف سيفه أو سوطه " . وقال
ميمون بن أبي شيبة : أردت الجمعة مع
الحجاج فتهيأت للذهاب ، ثم قلت : أين أذهب أصلي خلف هذا الفاجر ؟ فقلت مرة : أذهب ، ومرة لا أذهب ، ثم أجمع رأيي على الذهاب ، فناداني مناد من جانب البيت
يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع . .
السابعة عشرة : قوله تعالى
قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة فيه وجهان : أحدهما : ما عند الله من ثواب صلاتكم خير من لذة لهوكم وفائدة تجارتكم .
الثاني : ما عند الله من رزقكم الذي قسمه لكم خير مما أصبتموه من لهوكم وتجارتكم . وقرأ
أبو رجاء العطاردي : " قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة للذين آمنوا " .
والله خير الرازقين أي خير من رزق وأعطى ; فمنه فاطلبوا ، واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة .