[ ص: 164 ] سورة التحريم
مدنية في قول الجميع
وهي اثنتا عشرة آية . وتسمى سورة " النبي " .
بسم الله الرحمن الرحيم
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم
قوله تعالى :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ثبت في صحيح
مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=831444عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا ، قالت فتواطأت أنا nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال : " بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له " . فنزل : لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن تتوبا : ( nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ) ، وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله : " بل شربت عسلا " . وعنها أيضا قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831445كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ، فكان إذا صلى العصر دار على [ ص: 165 ] نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل ، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة . فقلت : أما والله لنحتالن له ، فذكرت ذلك لسودة وقلت : إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول لك : لا . فقولي له : ما هذه الريح ؟ - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح - فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل . فقولي له : جرست نحله العرفط . وسأقول ذلك له ، وقوليه أنت يا صفية . فلما دخل على سودة - قالت : تقول سودة : والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي ، وإنه لعلى الباب ، فرقا منك . فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ قال : " لا " . قالت : فما هذه الريح ؟ قال : " سقتنيحفصة شربة عسل " . قال : جرست نحله العرفط . فلما دخل علي قلت له مثل ذلك . ثم دخل على صفية فقالت بمثل ذلك . فلما دخل على حفصة قالت : يا رسول الله ، ألا أسقيك منه . قال : لا حاجة لي به . قالت : تقول سودة : سبحان الله ! والله لقد حرمناه . قالت : قلت لها اسكتي . ففي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل
حفصة . وفي الأولى
زينب . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن
ابن عباس أنه شربه عند
سودة . وقد قيل : إنما هي
أم سلمة ، رواه
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . وقاله
عطاء بن أبي مسلم .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا كله جهل أو تصور بغير علم . فقال باقي نسائه حسدا وغيرة لمن شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير . والمغافير : بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة ، فيها حلاوة . واحدها مغفور ، وجرست : أكلت . والعرفط : نبت له ريح كريح الخمر . وكان عليه السلام يعجبه أن يوجد منه الريح الطيبة أو يجدها ، ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك . فهذا قول . وقول آخر : أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها لأجل أزواجه ، قاله
ابن عباس وعكرمة . والمرأة
nindex.php?page=showalam&ids=11598أم شريك . وقول ثالث : إن التي حرم
مارية القبطية ، وكان قد أهداها له
المقوقس ملك
الإسكندرية . قال
ابن إسحاق : هي من كورة أنصنا من بلد يقال له حفن فواقعها في بيت
حفصة . روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
ابن عباس عن
عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865265دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة ، فوجدته حفصة معها - وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها - فقالت له : تدخلها بيتي ! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك . فقال لها : " لا تذكري هذا nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة فهي علي حرام إن قربتها " . قالت حفصة : وكيف تحرم عليك وهي جاريتك ؟ فحلف [ ص: 166 ] لها ألا يقربها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تذكريه لأحد " . فذكرته nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ، فآلى لا يدخل على نسائه شهرا ، فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة ، فأنزل الله عز وجل لم تحرم ما أحل الله لك الآية .
الثانية : أصح هذه الأقوال أولها . وأضعفها أوسطها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : أما ضعفه في السند فلعدم عدالة رواته ، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي صلى الله عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها ، لأن من رد ما وهب له لم يحرم عليه ، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل . وأما من روى أنه حرم
مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى ، لكنه لم يدون في الصحيح . وروي مرسلا . وقد روى
ابن وهب عن
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865266حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم فقال : " أنت علي حرام ، والله لا آتينك " . فأنزل الله عز وجل في ذلك : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك وروى مثله
ابن القاسم عنه . وروى
أشهب عن
مالك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865267راجعت عمر امرأة من الأنصار في شيء فاقشعر من ذلك وقال : ما كان النساء هكذا ! قالت : بلى ، وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه . فأخذ ثوبه فخرج إلى حفصة فقال لها : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم ، ولو أعلم أنك تكره ما فعلت . فلما بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر نساءه قال : رغم أنف حفصة . وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند
زينب ، وتظاهرت عليه
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة فيه ، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسر ذلك . ونزلت الآية في الجميع .
الثالثة : قوله تعالى : " لم تحرم " إن كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم ولم يحلف فليس ذلك بيمين عندنا . ولا يحرم
قول الرجل : " هذا علي حرام " شيئا حاشا الزوجة . وقال
أبو حنيفة : إذا أطلق حمل على المأكول والمشروب دون الملبوس ، وكانت يمينا توجب الكفارة . وقال
زفر : هو يمين في الكل حتى في الحركة والكون . وعول المخالف على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم العسل فلزمته الكفارة . وقد قال الله تعالى :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فسماه يمينا . ودليلنا قول الله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ، وقوله تعالى :
قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ ص: 167 ] فذم الله المحرم للحلال ولم يوجب عليه كفارة . قال
الزجاج : ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله . ولم يجعل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يحرم إلا ما حرم الله عليه . فمن قال لزوجته أو أمته : أنت علي حرام ; ولم ينو طلاقا ولا ظهارا فهذا اللفظ يوجب كفارة اليمين . ولو خاطب بهذا اللفظ جمعا من الزوجات والإماء فعليه كفارة واحدة . ولو
حرم على نفسه طعاما أو شيئا آخر لم يلزمه بذلك كفارة عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك . وتجب بذلك كفارة عند
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة .
الرابعة : واختلف العلماء في
الرجل يقول لزوجته : " أنت علي حرام " على ثمانية عشر قولا : أحدها : لا شيء عليه . وبه قال
الشعبي ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصبغ . وهو عندهم كتحريم الماء والطعام ; قال الله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم والزوجة من الطيبات ومما أحل الله . وقال تعالى :
ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام . وما لم يحرمه الله فليس لأحد أن يحرمه ، ولا أن يصير بتحريمه حراما . ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحله الله هو علي حرام . وإنما امتنع من
مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله : والله لا أقربها بعد اليوم فقيل له : لم تحرم ما أحل الله لك ; أي لم تمتنع منه بسبب اليمين . يعني أقدم عليه وكفر .
وثانيها : أنها يمين يكفرها ; قاله
أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة - رضي الله عنهم -
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ; وهو مقتضى الآية . قال
سعيد بن جبير عن
ابن عباس : إذا حرم الرجل عليه امرأته فإنما هي يمين يكفرها . وقال
ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ; يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حرم جاريته فقال الله تعالى :
لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله تعالى
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فكفر عن يمينه وصير الحرام يمينا . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني .
وثالثها : أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين ; قاله
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه ، وفي هذا القول نظر . والآية ترده على ما يأتي .
ورابعها : هي ظهار ; ففيها كفارة الظهار ، قاله
عثمان nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وإسحاق .
[ ص: 168 ] وخامسها : أنه إن نوى الظهار وهو ينوي أنها محرمة كتحريم ظهر أمه كان ظهارا . وإن نوى تحريم عينها عليه بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة يمين . وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وسادسها : أنها طلقة رجعية ، قاله
عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=15136وعبد العزيز بن أبي سلمة nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون . وسابعها : أنها طلقة بائنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت . ورواه
ابن خويز منداد عن
مالك .
وثامنها : أنها ثلاث تطليقات ، قاله
علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة .
وتاسعها : هي في المدخول بها ثلاث ، وينوي في غير المدخول بها ، قاله
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16621وعلي بن زيد والحكم . وهو مشهور مذهب
مالك .
وعاشرها : هي ثلاث ; ولا ينوي بحال ولا في محل وإن لم يدخل ; قاله
عبد الملك في المبسوط ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى .
وحادي عشرها : هي في التي لم يدخل بها واحدة ، وفي التي دخل بها ثلاث ; قاله
أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم .
وثاني عشرها : أنه إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما نوى . فإن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا . فإن نوى ثنتين فواحدة . فإن لم ينو شيئا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته ; قاله
أبو حنيفة وأصحابه . وبمثله قال
زفر ; إلا أنه قال : إذا نوى اثنتين ألزمناه .
وثالث عشرها : أنه لا تنفعه نية الظهار وإنما يكون طلاقا ; قاله
ابن القاسم .
ورابع عشرها : قال
يحيى بن عمر : يكون طلاقا ; فإن ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار .
وخامس عشرها : إن نوى الطلاق فما أراد من أعداده . وإن نوى واحدة فهي رجعية . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه . وروي مثله عن
أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين .
وسادس عشرها : إن نوى ثلاثا فثلاثا ، وإن واحدة فواحدة . وإن نوى يمينا فهي يمين . وإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه . وهو قول
سفيان . وبمثله قال
الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ; إلا أنهما قالا : إن لم ينو شيئا فهي واحدة .
[ ص: 169 ] وسابع عشرها : له نيته ولا يكون أقل من واحدة ; قاله
ابن شهاب . وإن لم ينو شيئا لم يكن شيء ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي . ورأيت
nindex.php?page=showalam&ids=15992لسعيد بن جبير وهو :
الثامن عشر : أن عليه عتق رقبة وإن لم يجعلها ظهارا . ولست أعلم لها وجها ، ولا يبعد في المقالات عندي .
قلت : قد ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه عن
ابن عباس فقال : حدثنا
الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا
محمد بن منصور قال : حدثنا
روح قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
سالم الأفطس عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي علي حراما . فقال : كذبت ! ليست عليك بحرام ; ثم تلا :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك عليك أغلظ الكفارات : عتق رقبة . وقد قال جماعة من أهل التفسير : إنه لما نزلت هذه الآية كفر عن يمينه بعتق رقبة ، وعاد إلى
مارية صلى الله عليه وسلم ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وغيره .
الخامسة : قال علماؤنا : سبب الاختلاف في هذا الباب أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نص ولا ظاهر صحيح يعتمد عليه في هذه المسألة ، فتجاذبها العلماء لذلك . فمن تمسك بالبراءة الأصلية فقال : لا حكم ، فلا يلزم بها شيء . وأما من قال إنها يمين ; فقال : سماها الله يمينا . وأما من قال : تجب فيها كفارة وليست بيمين ; فبناه على أحد أمرين : أحدهما أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها وإن لم تكن يمينا . والثاني أن معنى اليمين عنده التحريم ، فوقعت الكفارة على المعنى . وأما من قال : إنها طلقة رجعية ; فإنه حمل اللفظ على أقل وجوهه ، والرجعية محرمة الوطء كذلك ; فيحمل اللفظ عليه . وهذا يلزم
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا ، لقوله : إن الرجعية محرمة الوطء . وكذلك وجه من قال : إنها ثلاث ، فحمله على أكبر معناه وهو الطلاق الثلاث . وأما من قال : إنه ظهار ، فلأنه أقل درجات التحريم ، فإنه تحريم لا يرفع النكاح . وأما من قال : إنه طلقة بائنة ، فعول على أن الطلاق الرجعي لا يحرم المطلقة ، وأن الطلاق البائن يحرمها . وأما قول
يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقا ، فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفارة .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا لا يصح ، لأنه جمع بين المتضادين ، فإنه لا يجتمع ظهار وطلاق في معنى لفظ واحد ، فلا وجه للاحتياط فيما لا يصح اجتماعه في الدليل .
[ ص: 170 ] وأما من قال : إنه ينوى في التي لم يدخل بها ، فلأن الواحدة تبينها وتحرمها شرعا إجماعا . وكذلك قال من لم يحكم باعتبار نيته : إن الواحدة تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع ، فيكفي أخذا بالأقل المتفق عليه . وأما من قال : إنه ثلاث فيهما ، فلأنه أخذ بالحكم الأعظم ، فإنه لو صرح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بها نفوذها في التي دخل بها . ومن الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم . والله أعلم .
وهذا كله في الزوجة . وأما في الأمة فلا يلزم فيها شيء من ذلك ، إلا أنه ينوي به العتق عند
مالك . وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة يمين .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : والصحيح أنها طلقة واحدة ، لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقله وهو الواحدة إلا أن يعدده . كذلك إذا ذكر التحريم يكون أقله إلا أن يقيده بالأكثر ، مثل أن يقول : أنت علي حرام إلا بعد زوج ، فهذا نص على المراد .
قلت : أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في
حفصة لما خلا النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها بجاريته ; ذكره
الثعلبي . وعلى هذا فكأنه قال : لا يحرم عليك ما حرمته على نفسك ولكن عليك كفارة يمين ، وإن كان في تحريم العسل والجارية أيضا . فكأنه قال : لم يحرم عليك ما حرمته ، ولكن ضممت إلى التحريم يمينا فكفر عن اليمين . وهذا صحيح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ثم حلف ، كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري معناه في قصة العسل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير nindex.php?page=hadith&LINKID=831446عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحش عسلا ويمكث عندها ، فتواطأت أنا nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل : أكلت مغافير ؟ إني لأجد منك ريح مغافير ! قال : " لا ، ولكن شربت عسلا ولن أعود له ، وقد حلفت ، لا تخبري بذلك أحدا " . يبتغي مرضات أزواجه . فيعني بقوله : ولن أعود له على جهة التحريم . وبقوله : حلفت ؛ أي بالله ، بدليل أن الله تعالى أنزل عليه عند ذلك معاتبته على ذلك ، وحوالته على كفارة اليمين بقوله تعالى :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك يعني العسل المحرم بقوله : لن أعود له . تبتغي مرضات أزواجك أي تفعل ذلك طلبا لرضاهن .
والله غفور رحيم غفور لما أوجب المعاتبة ، رحيم برفع المؤاخذة . وقد قيل : إن ذلك كان ذنبا من الصغائر . والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى ، وأنه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة .