[ ص: 15 ] قوله تعالى : وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا
قوله تعالى : وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك هذا من قول الجن ، أي قال بعضهم لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون ومنا الكافرون . وقيل :
ومنا دون ذلك أي ومن دون الصالحين في الصلاح ، وهو أشبه من حمله على الإيمان والشرك .
كنا طرائق قددا أي فرقا شتى ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
الضحاك : أديانا مختلفة .
قتادة : أهواء متباينة ; ومنه قول الشاعر :
القابض الباسط الهادي بطاعته في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد
والمعنى : أي
لم يكن كل الجن كفارا بل كانوا مختلفين : منهم كفار ، ومنهم مؤمنون صلحاء ، ومنهم مؤمنون غير صلحاء .
وقال
المسيب : كنا مسلمين
ويهود ونصارى ومجوس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله تعالى : طرائق قددا قال : في الجن مثلكم
قدرية ، ومرجئة ، وخوارج ، ورافضة ، وشيعة ، وسنية .
وقال قوم : أي وإنا بعد استماع القرآن مختلفون : منا المؤمنون ومنا الكافرون . أي ومنا الصالحون ومنا مؤمنون لم يتناهوا في الصلاح . والأول أحسن ; لأنه كان في الجن من آمن
بموسى وعيسى ، وقد أخبر الله عنهم أنهم قالوا : إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد
موسى مصدقا لما بين يديه وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوراة ، وكان هذا مبالغة منهم في دعاء من دعوهم إلى الإيمان . وأيضا لا فائدة في قولهم : نحن الآن منقسمون إلى مؤمن وإلى كافر .
والطرائق : جمع الطريقة وهي مذهب الرجل ، أي كنا فرقا مختلفة . ويقال : القوم طرائق أي على مذاهب شتى . والقدد : نحو من الطرائق وهو توكيد لها ، واحدها : قدة . يقال : لكل طريق قدة ، وأصلها من قد السيور ، وهو قطعها ; قال
لبيد يرثي أخاه
أربد :
لم تبلغ العين كل نهمتها ليلة تمسي الجياد كالقدد
وقال آخر :
ولقد قلت وزيد حاسر يوم ولت خيل عمرو قددا
والقد بالكسر : سير يقد من جلد غير مدبوغ ; ويقال : ما له قد ولا قحف ; فالقد : إناء من جلد ، والقحف : من خشب .
[ ص: 16 ] قوله تعالى :
وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض الظن هنا بمعنى العلم واليقين ، وهو خلاف الظن في قوله تعالى :
وأنا ظننا أن لن تقول ، وأنهم ظنوا أي علمنا بالاستدلال والتفكر في آيات الله ، أنا في قبضته وسلطانه ، لن نفوته بهرب ولا غيره . و هربا مصدر في موضع الحال أي هاربين .