قوله تعالى : إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا
قوله تعالى :
إن لدينا أنكالا وجحيما الأنكال : القيود . عن
الحسن ومجاهد وغيرهما . واحدها نكل ، وهو ما منع الإنسان من الحركة . وقيل : سمي نكلا لأنه ينكل به .
قال
الشعبي : أترون أن الله تعالى جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا ؟ لا والله ! ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استفلت بهم . وقال
الكلبي : الأنكال : الأغلال ، والأول أعرف في اللغة ; ومنه قول
الخنساء :
دعاك فقطعت أنكاله وقد كن قبلك لا تقطع
وقيل : إنه أنواع العذاب الشديد ; قاله
مقاتل . وقد جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
إن الله يحب [ ص: 44 ] النكل على النكل " بالتحريك ، قاله
الجوهري . قيل : وما النكل ؟ قال : "
الرجل القوي المجرب ، على الفرس القوي المجرب " ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي قال : ومن ذلك سمي القيد نكلا لقوته ، وكذلك ، الغل ، وكل عذاب قوي فاشتد ، والجحيم النار المؤججة .
وطعاما ذا غصة أي غير سائغ ; يأخذ بالحلق ، لا هو نازل ولا هو خارج ، وهو الغسلين والزقوم والضريع ; قاله
ابن عباس . وعنه أيضا أنه شوك يدخل الحلق ، فلا ينزل ولا يخرج .
وقال
الزجاج : أي طعامهم الضريع ; كما قال :
ليس لهم طعام إلا من ضريع وهو شوك كالعوسج . وقال
مجاهد : هو الزقوم ، كما قال :
إن شجرة الزقوم طعام الأثيم . والمعنى واحد . وقال
حمران بن أعين :
قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة فصعق . وقال
خليد بن حسان : أمسى
الحسن عندنا صائما ، فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما فقال : ارفع طعامك . فلما كانت الثانية أتيته بطعام فعرضت له هذه الآية ، فقال : ارفعوه . ومثله في الثالثة ; فانطلق ابنه إلى
ثابت البناني ويزيد الضبي nindex.php?page=showalam&ids=17292ويحيى البكاء فحدثهم ، فجاءوه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق . والغصة : الشجا ، وهو ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره . وجمعها غصص . والغصص بالفتح مصدر قولك : غصصت يا رجل تغص ، فأنت غاص بالطعام وغصان ، وأغصصته أنا ، والمنزل غاص بالقوم أي ممتلئ بهم .
قوله تعالى :
يوم ترجف الأرض والجبال أي تتحرك وتضطرب بمن عليها . وانتصب ( يوم ) على الظرف أي ينكل بهم ويعذبون يوم ترجف الأرض . وقيل : بنزع الخافض ; يعني هذه العقوبة في يوم ترجف الأرض والجبال . وقيل : العامل ( ذرني ) أي وذرني والمكذبين يوم ترجف الأرض والجبال .
وكانت الجبال كثيبا مهيلا أي وتكون . والكثيب الرمل المجتمع - قال
حسان :
عرفت ديار زينب بالكثيب كخط الوحي في الورق القشيب
والمهيل : الذي يمر تحت الأرجل . قال
الضحاك والكلبي : المهيل : هو الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها ، وإذا أخذت أسفله انهال .
وقال
ابن عباس : مهيلا أي رملا سائلا متناثرا وأصله مهيول وهو مفعول من قولك : هلت عليه التراب أهيله هيلا : إذا صببته . يقال : مهيل ومهيول ، ومكيل ومكيول ، ومدين ومديون ، ومعين ومعيون ; قال الشاعر :
[ ص: 45 ] قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون
وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=866510أنهم شكوا إليه الجدوبة ; فقال : " أتكيلون أم تهيلون " قالوا : نهيل . قال : " كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه " .
وأهلت الدقيق لغة في هلت فهو مهال ومهيل . وإنما حذفت الواو ، لأن الياء تثقل فيها الضمة ، فحذفت فسكنت هي والواو فحذفت الواو لالتقاء الساكنين .