قوله تعالى :
قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقض ما أمره قوله تعالى : قتل الإنسان ما أكفره ؟ قتل أي لعن . وقيل : عذب . والإنسان الكافر روى
الأعمش عن
مجاهد قال : ما كان في القرآن قتل الإنسان فإنما عني به الكافر . وروى
الضحاك عن
ابن عباس قال : نزلت في
عتبة بن أبي لهب ، وكان قد آمن ، فلما نزلت والنجم ارتد ، وقال : آمنت بالقرآن كله إلا النجم ، فأنزل الله - جل ثناؤه فيه -
قتل الإنسان أي
nindex.php?page=hadith&LINKID=866615لعن عتبة حيث كفر بالقرآن ، ودعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اللهم سلط عليه كلبك أسد الغاضرة فخرج من فوره بتجارة إلى الشام ، فلما انتهى إلى الغاضرة تذكر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل لمن معه ألف دينار إن هو أصبح حيا ، فجعلوه في وسط الرفقة ، وجعلوا المتاع حوله ، فبينما هم على ذلك أقبل الأسد ، فلما دنا من الرحال وثب ، فإذا هو فوقه فمزقه ، وقد كان أبوه ندبه وبكى وقال : ما قال محمد شيئا قط إلا كان . وروى
أبو صالح عن
ابن عباس ما أكفره :
[ ص: 188 ] أي شيء أكفره ؟ وقيل : ما تعجب ; وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا : قاتله الله ما أحسنه ! وأخزاه الله ما أظلمه ; والمعنى : اعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا . وقيل : ما أكفره بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه على التعجب أيضا ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أي ما أشد كفره ! وقيل : ما استفهام أي أي شيء دعاه إلى الكفر ; فهو استفهام توبيخ . و ( ما ) تحتمل التعجب ، وتحتمل معنى أي ، فتكون استفهاما .
من أي شيء خلقه أي من أي شيء خلق الله هذا الكافر فيتكبر ؟ أي اعجبوا لخلقه .
من نطفة أي من ماء يسير مهين جماد خلقه فلم يغلط في نفسه ؟ ! قال
الحسن : كيف يتكبر من خرج من سبيل البول مرتين . فقدره في بطن أمه . كذا روى
الضحاك عن
ابن عباس : أي قدر يديه ورجليه وعينيه وسائر آرابه ، وحسنا ودميما ، وقصيرا وطويلا ، وشقيا وسعيدا . وقيل :
فقدره أي فسواه كما قال :
أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا . وقال : الذي خلقك فسواك . وقيل : فقدره أطوارا أي من حال إلى حال ; نطفة ثم علقة ، إلى أن تم خلقه .
ثم السبيل يسره قال
ابن عباس في رواية
عطاء وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ومقاتل : يسره للخروج من بطن أمه .
مجاهد : يسره لطريق الخير والشر ; أي بين له ذلك . دليله :
إنا هديناه السبيل و
هديناه النجدين . وقاله
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أيضا في رواية
أبي صالح عنه . وعن
مجاهد أيضا قال : سبيل الشقاء والسعادة .
ابن زيد : سبيل الإسلام . وقال
أبو بكر بن طاهر يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه ; دليله قوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=865961اعملوا فكل ميسر لما خلق له .
ثم أماته فأقبره أي جعل له قبرا يوارى فيه إكراما ، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله الطير والعوافي ; قاله
الفراء . وقال
أبو عبيدة : أقبره : جعل له قبرا ، وأمر أن يقبر . قال
أبو عبيدة : ولما قتل
عمر بن هبيرة صالح بن عبد الرحمن ، قالت
بنو تميم ودخلوا عليه : أقبرنا
صالحا ; فقال : دونكموه . وقال : أقبره ولم يقل قبره ; لأن القابر هو الدافن بيده ، قال
الأعشى :
[ ص: 189 ] لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر
يقال : قبرت الميت : إذا دفنته ، وأقبره الله : أي صيره بحيث يقبر ، وجعل له قبرا ; تقول العرب : بترت ذنب البعير ، وأبتره الله ، وعضبت قرن الثور ، وأعضبه الله ، وطردت فلانا ، والله أطرده ، أي صيره طريدا .
ثم إذا شاء أنشره أي أحياه بعد موته . وقراءة العامة أنشره بالألف . وروى
أبو حيوة عن
نافع nindex.php?page=showalam&ids=16108وشعيب بن أبي حمزة ( شاء نشره ) بغير ألف ، لغتان فصيحتان بمعنى ; يقال : أنشر الله الميت ونشره ; قال
الأعشى :
حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
قوله تعالى : كلا لما يقض ما أمره قال
مجاهد وقتادة :
لما يقض : لا يقضي أحد ما أمر به . وكان
ابن عباس يقول : لما يقض ما أمره لم يف بالميثاق الذي أخذ عليه في صلب
آدم . ثم قيل : ( كلا ) ردع وزجر ، أي ليس الأمر : كما يقول الكافر ; فإن الكافر إذا أخبر بالنشور قال :
ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ربما يقول قد قضيت ما أمرت به . فقال : كلا لم يقض شيئا بل هو كافر بي وبرسولي . وقال
الحسن : أي حقا لم يقض : أي لم يعمل بما أمر به . و ( ما ) في قوله : ( لما ) عماد للكلام ; كقوله تعالى :
فبما رحمة من الله وقوله :
عما قليل ليصبحن نادمين . وقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : أي : كلا لما يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان ، بل أمره بما لم يقض له .
ابن الأنباري : الوقف على كلا قبيح ، والوقف على ( أمره ) و ( نشره ) جيد ; ف " كلا " على هذا بمعنى حقا .