قوله تعالى :
ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين
قوله تعالى : يا أيها خاطب بهذا منكري البعث . وقال
ابن عباس : الإنسان هنا :
الوليد بن المغيرة . وقال
عكرمة :
أبي بن خلف . وقيل : نزلت في
أبي الأشد بن كلدة الجمحي . عن
ابن عباس أيضا ( ما غرك بربك ) أي ما الذي غرك حتى كفرت ؟
بربك الكريم أي المتجاوز عنك . قال
قتادة : غره شيطانه المسلط عليه .
الحسن : غره شيطانه الخبيث . وقيل : حمقه وجهله . رواه
الحسن عن
عمر - رضي الله عنه - . وروى
غالب الحنفي قال :
لما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم قال : " غره الجهل " وقال
صالح بن مسمار :
بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ؟ فقال : " غره جهله " . وقال
عمر - رضي الله عنه - : كما قال الله تعالى :
إنه كان ظلوما جهولا . وقيل : غره عفو الله ، إذ لم يعاقبه في أول مرة . قال
إبراهيم بن الأشعث : قيل :
nindex.php?page=showalam&ids=14919للفضيل بن عياض : لو أقامك الله تعالى يوم القيامة بين يديه ، فقال لك :
ما غرك بربك الكريم ؟ ماذا كنت تقول ؟ قال : كنت أقول غرني ستورك المرخاة ; لأن الكريم هو الستار . نظمه
ابن السماك فقال :
يا كاتم الذنب أما تستحي والله في الخلوة ثانيكا غرك من ربك إمهاله
وستره طول مساويكا
[ ص: 211 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون المصري : كم من مغرور تحت الستر وهو لا يشعر .
وأنشد
أبو بكر بن طاهر الأبهري :
يا من غلا في العجب والتيه وغره طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ولم تخف غب معاصيه
وروي عن
علي - رضي الله عنه - أنه صاح بغلام له مرات فلم يلبه فنظر فإذا هو بالباب ، فقال : ما لك لم تجبني ؟ فقال . لثقتي بحلمك ، وأمني من عقوبتك . فاستحسن جوابه فأعتقه . وناس يقولون : ما غرك : ما خدعك وسول لك ، حتى أضعت ما وجب عليك ؟ وقال
ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا وسيخلو الله به يوم القيامة ، فيقول له : يابن آدم ماذا غرك بي ؟ يابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟
الذي خلقك أي قدر خلقك من نطفة فسواك في بطن أمك ، وجعل لك يدين ورجلين وعينين وسائر أعضائك
فعدلك أي جعلك معتدلا سوي الخلق ; كما يقال : هذا شيء معدل . وهذه قراءة العامة وهي اختيار
أبي عبيد وأبي حاتم ; قال
الفراء :
وأبو عبيد : يدل عليه قوله تعالى :
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم . وقرأ الكوفيون :
عاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : فعدلك مخففا أي : أمالك وصرفك إلى أي صورة شاء ، إما حسنا وإما قبيحا ، وإما طويلا وإما قصيرا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17178موسى بن علي بن أبي رباح اللخمي عن أبيه عن جده قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866635قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم " . أما قرأت هذه الآية
في أي صورة ما شاء ركبك فيما بينك وبين
آدم ، وقال
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح :
في أي صورة ما شاء ركبك إن شاء في صورة إنسان ، وإن شاء في صورة حمار ، وإن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير . وقال
مكحول : إن شاء ذكرا ، وإن شاء أنثى . قال
مجاهد : في أي صورة أي في أي شبه من أب أو أم أو عم أو خال أو غيرهم . و " في " متعلقة ب
ركبك ، ولا تتعلق ب عدلك ، على قراءة من خفف ; لأنك تقول عدلت إلى كذا ، ولا تقول عدلت في كذا ; ولذلك منع
الفراء التخفيف ; لأنه قدر ( في ) متعلقة ب عدلك ، و ( ما ) يجوز أن تكون صلة مؤكدة ; أي في أي صورة شاء ركبك . ويجوز أن تكون شرطية أي إن شاء ركبك في غير صورة الإنسان من صورة قرد أو حمار أو خنزير ، ف " ما " بمعنى الشرط والجزاء ; أي في صورة ما شاء يركبك ركبك .
قوله تعالى : كلا بل تكذبون بالدين يجوز أن تكون كلا بمعنى حقا و ( ألا ) فيبتدأ بها . ويجوز أن تكون بمعنى ( لا ) ، على أن يكون المعنى ليس الأمر كما تقولون من أنكم في عبادتكم غير الله محقون . يدل على ذلك قوله تعالى :
ما غرك بربك الكريم وكذلك يقول
[ ص: 212 ] الفراء : يصير المعنى : ليس كما غررت به . وقيل : أي ليس الأمر كما يقولون ، من أنه لا بعث . وقيل : هو بمعنى الردع والزجر . أي لا تغتروا بحلم الله وكرمه ، فتتركوا التفكر في آياته .
ابن الأنباري : الوقف الجيد على الدين ، وعلى
ركبك ، والوقف على كلا قبيح . بل تكذبون يا
أهل مكة بالدين أي بالحساب ، و ( بل ) لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره . وإنكارهم للبعث كان معلوما ، وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة .