قوله تعالى :
وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا قوله تعالى : وأما من أوتي كتابه وراء ظهره نزلت في
الأسود بن عبد الأسد أخي أبي سلمة قال
ابن عباس . ثم هي عامة في كل مؤمن وكافر . قال
ابن عباس : يمد يده اليمنى ليأخذ كتابه فيجذبه ملك ، فيخلع يمينه ، فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره . وقال
قتادة ومقاتل : يفك ألواح صدره وعظامه ثم تدخل يده وتخرج من ظهره ، فيأخذ كتابه كذلك .
فسوف يدعو ثبورا أي بالهلاك فيقول : يا ويلاه ، يا ثبوراه .
ويصلى سعيرا أي ويدخل النار حتى يصلى بحرها . وقرأ
الحرميان وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( ويصلى ) بضم الياء وفتح الصاد ، وتشديد اللام ، كقوله تعالى : ثم
الجحيم صلوه وقوله :
وتصلية جحيم . الباقون ويصلى بفتح الياء مخففا ، فعل لازم غير متعد ; لقوله :
إلا من هو صال الجحيم [ ص: 235 ] وقوله :
يصلى النار الكبرى وقوله
ثم إنهم لصالو الجحيم . وقراءة ثالثة رواها
أبان عن
عاصم وخارجة عن
نافع وإسماعيل المكي عن
ابن كثير ( ويصلى ) بضم الياء وإسكان الصاد وفتح اللام مخففا ; كما قرئ ( وسيصلون ) بضم الياء ، وكذلك في ( الغاشية ) قد قرئ أيضا : تصلى نارا وهما لغتان صلى وأصلى ; كقوله : ( نزل وأنزل ) .
إنه كان في أهله أي في الدنيا مسرورا قال
ابن زيد : وصف الله أهل الجنة بالمخافة والحزن والبكاء والشفقة في الدنيا فأعقبهم به النعيم والسرور في الآخرة ، وقرأ قول الله تعالى :
إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . قال : ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا والضحك فيها والتفكه . فقال :
إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور أي لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب ، ثم يثاب أو يعاقب . يقال : حار يحور إذا رجع ; قال
لبيد :
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
وقال
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=15854وداود بن أبي هند ، يحور كلمة بالحبشية ، ومعناها يرجع . ويجوز أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة اشتقاق ; ومنه الخبز الحوارى ; لأنه يرجع إلى البياض . وقال
ابن عباس : ما كنت أدري : ما يحور ؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها : حوري ، أي ارجعي إلي ، فالحور في كلام العرب الرجوع ; ومنه قوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866662اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور يعني : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة ، وكذلك الحور بالضم . وفي المثل ( حور في محارة ) أي نقصان في نقصان . يضرب للرجل إذا كان أمره يدبر ، قال الشاعر :
واستعجلوا عن خفيف المضغ فازدردوا والذم يبقى وزاد القوم في حور
والحور أيضا : الاسم من قولك : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا ; أي ما ردت شيئا من الدقيق . والحور أيضا الهلكة ; قال الراجز :
في بئر لا حور سرى ولا شعر
[ ص: 236 ] قال
أبو عبيدة : أي بئر حور ، و ( لا ) زائدة . وروي ( بعد الكون ) ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه . وسئل
معمر عن الحور بعد الكون ، فقال : هو الكنتي . فقال له
عبد الرزاق : وما الكنتي ؟ فقال : الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء . قال
أبو عمرو : يقال للرجل إذا شاخ : كنتي ، كأنه نسب إلى قوله : كنت في شبابي كذا . قال :
فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا وشر خصال المرء كنت وعاجن
عجن الرجل : إذا نهض معتمدا على الأرض من الكبر . وقال
ابن الأعرابي : الكنتي : هو الذي يقول : كنت شابا ، وكنت شجاعا ، والكاني هو الذي يقول : كان لي مال وكنت أهب ، وكان لي خيل وكنت أركب .
قوله تعالى : بلى أي ليس الأمر كما ظن ، بل يحور إلينا ويرجع .
إن ربه كان به بصيرا قبل أن يخلقه ، عالما بأن مرجعه إليه . وقيل : بلى ليحورن وليرجعن . ثم استأنف فقال :
إن ربه كان به بصيرا من يوم خلقه إلى أن بعثه . وقيل : عالما بما سبق له من الشقاء والسعادة .