قوله تعالى :
فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقا عن طبق فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون
قوله تعالى :
فلا أقسم أي فأقسم و ( لا ) صلة .
بالشفق أي بالحمرة التي تكون عند مغيب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة . قال
أشهب وعبد الله بن الحكم ويحيى بن يحيى وغيرهم ، كثير عددهم عن
مالك : الشفق الحمرة التي في المغرب ، فإذا ذهبت الحمرة فقد خرجت من وقت المغرب ووجبت صلاة العشاء . وروى
ابن وهب قال : أخبرني غير واحد عن
علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=75وشداد بن أوس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة : أن الشفق الحمرة ، وبه قال
مالك بن أنس . وذكر غير
ابن وهب من الصحابة :
عمر nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وأنسا nindex.php?page=showalam&ids=60وأبا قتادة nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله وابن الزبير ، ومن
[ ص: 237 ] التابعين :
سعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوسا ، nindex.php?page=showalam&ids=16430وعبد الله بن دينار ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وقال به من الفقهاء
الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وأبو عبيدة وأحمد وإسحاق وقيل : هو البياض ; روي ذلك عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه . وروى
أسد بن عمرو أنه رجع عنه . وروي عن
ابن عمر أيضا أنه البياض والاختيار الأول ; لأن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء عليه ، ولأن شواهد كلام العرب والاشتقاق والسنة تشهد له . قال
الفراء : سمعت بعض العرب يقول لثوب عليه مصبوغ : كأنه الشفق وكان أحمر ، فهذا شاهد للحمرة ; وقال الشاعر :
وأحمر اللون كمحمر الشفق
وقال آخر :
قم يا غلام أعني غير مرتبك على الزمان بكأس حشوها شفق
ويقال للمغرة الشفق . وفي الصحاح : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة . قال
الخليل : الشفق : الحمرة ، من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة ، إذا ذهب قيل : غاب الشفق . ثم قيل : أصل الكلمة من رقة الشيء ; يقال : شيء شفق أي لا تماسك له لرقته . وأشفق عليه . أي رق قلبه عليه ، والشفقة : الاسم من الإشفاق ، وهو رقة القلب ، وكذلك الشفق ; قال الشاعر :
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزال على الحرم
فالشفق : بقية ضوء الشمس وحمرتها فكأن تلك الرقة عن ضوء الشمس . وزعم الحكماء أن البياض لا يغيب أصلا . وقال
الخليل : صعدت
منارة الإسكندرية فرمقت البياض ، فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس : رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر قال علماؤنا : فلما لم يتحدد وقته سقط اعتباره . وفي سنن
أبي داود عن
النعمان بن بشير قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866663أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة ; كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها لسقوط القمر لثالثة . وهذا تحديد ، ثم الحكم معلق بأول الاسم . لا يقال : فينقض عليكم بالفجر الأول ، فإنا نقول الفجر الأول لا يتعلق به حكم من صلاة ولا إمساك ; لأن
nindex.php?page=hadith&LINKID=866664النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الفجر بقوله وفعله فقال : " وليس الفجر أن تقول هكذا - فرفع يده إلى فوق - ولكن الفجر أن تقول هكذا وبسطها " وقد
[ ص: 238 ] مضى بيانه في آية الصيام من سورة ( البقرة ) ، فلا معنى للإعادة . وقال
مجاهد : الشفق : النهار كله ألا تراه قال
والليل وما وسق وقال
عكرمة : ما بقي من النهار . والشفق أيضا : الرديء من الأشياء ; يقال : عطاء مشفق أي مقلل قال
الكميت :
ملك أغر من الملوك تحلبت للسائلين يداه غير مشفق
قوله تعالى :
والليل وما وسق أي جمع وضم ولف ، وأصله من سورة السلطان وغضبه فلولا أنه خرج إلى العباد من باب الرحمة ما تمالك العباد لمجيئه ولكن خرج من باب الرحمة فمزح بها ، فسكن الخلق إليه ثم ابذعروا والتفوا وانقبضوا ، ورجع كل إلى مأواه فسكن فيه من هوله وحشا ، وهو قوله تعالى :
ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي بالليل
ولتبتغوا من فضله أي بالنهار على ما تقدم . فالليل يجمع ويضم ما كان منتشرا بالنهار في تصرفه . هذا معنى قول
ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم ; قال
ضابئ بن الحارث البرجمي :
فإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
يقول : ليس في يده من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء ; فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له ، فقد وسقها . والوسق : ضمك الشيء بعضه إلى بعض ، تقول : وسقته أسقه وسقا . ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع : وسق ، وهو ستون صاعا . وطعام موسق : أي مجموع ، وإبل مستوسقة أي مجتمعة ; قال الراجز [
العجاج ] :
إن لنا قلائصا حقائقا متوسقات لو يجدن سائقا
وقال
عكرمة : وما وسق أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي ، فالوسق بمعنى الطرد ، ومنه قيل للطريدة من الإبل والغنم والحمر : وسيقة ، قال الشاعر [
الأسود بن يعفر ] :
كما قاف آثار الوسيقة قائف
وعن
ابن عباس : وما وسق أي وما جن وستر . وعنه أيضا : وما حمل ، وكل شيء حملته فقد وسقته ، والعرب تقول : لا أفعله ما وسقت عيني الماء ، أي حملته . ووسقت الناقة تسق وسقا : أي حملت وأغلقت رحمها على الماء ، فهي ناقة واسق ، ونوق وساق مثل نائم ونيام ، وصاحب وصحاب ، قال
بشر بن أبي خازم :
[ ص: 239 ] ألظ بهن يحدوهن حتى تبينت الحيال من الوساق
ومواسيق أيضا . وأوسقت البعير : حملته حمله ، وأوسقت النخلة : كثر حملها . وقال
يمان والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=17131ومقاتل بن سليمان : حمل من الظلمة . قال
مقاتل : أو حمل من الكواكب .
القشيري : ومعنى حمل : ضم وجمع ، والليل يجلل بظلمته كل شيء فإذا جللها فقد وسقها . ويكون هذا القسم قسما بجميع المخلوقات ، لاشتمال الليل عليها ، كقوله تعالى :
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير : وما وسق أي وما عمل فيه ، يعني التهجد والاستغفار بالأسحار ، قال الشاعر :
ويوما ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق المتلبب
أي كالعامل .
قوله تعالى :
والقمر إذا اتسق أي تم واجتمع واستوى . قال
الحسن : اتسق : أي امتلأ واجتمع .
ابن عباس : استوى .
قتادة : استدار .
الفراء : اتساقه : امتلاؤه واستواؤه ليالي البدر ، وهو افتعال من الوسق الذي هو الجمع ، يقال : وسقته فاتسق ، كما يقال : وصلته فاتصل ، ويقال : أمر فلان متسق : أي مجتمع على الصلاح منتظم . ويقال : اتسق الشيء : إذا تتابع :
لتركبن طبقا عن طبق قرأ
أبو عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية ومسروق nindex.php?page=showalam&ids=16115وأبو وائل ومجاهد والنخعي وابن كثير وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( لتركبن ) بفتح الباء خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي لتركبن يا
محمد حالا بعد حال ، قاله
ابن عباس .
الشعبي : لتركبن يا
محمد سماء بعد سماء ، ودرجة بعد درجة ، ورتبة بعد رتبة ، في القربة من الله تعالى .
ابن مسعود : لتركبن السماء حالا بعد حال ، يعني حالاتها التي وصفها الله تعالى بها من الانشقاق والطي وكونها مرة كالمهل ومرة كالدهان . وعن
إبراهيم عن
عبد الأعلى :
طبقا عن طبق قال : السماء تقلب حالا بعد حال . قال : تكون وردة كالدهان ، وتكون كالمهل ; وقيل : أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال ، من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حيا وميتا وغنيا وفقيرا . فالخطاب للإنسان المذكور في قوله :
يا أيها الإنسان إنك كادح هو اسم للجنس ، ومعناه الناس . وقرأ الباقون لتركبن بضم الباء ، خطابا للناس ، واختاره
أبو عبيد وأبو حاتم ، قال : لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، لما ذكر قبل هذه الآية فمن أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله . أي لتركبن حالا بعد حال من شدائد القيامة ، أو لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب واختلاق على الأنبياء .
قلت : وكله مراد ، وقد جاءت بذلك أحاديث ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم الحافظ عن
جعفر بن [ ص: 240 ] محمد بن علي عن
جابر - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866665إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله - عز وجل - ; إن الله لا إله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله ، واكتب شقيا أو سعيدا ، ثم يرتفع ذلك الملك ، ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ، ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته ، فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان ، ثم جاءه ملك الموت - عليه السلام - فيقبض روحه ، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ، ثم يرتفع ملك الموت ، ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ، ثم يرتفعان ، فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات ، فأنشطا كتابا معقودا في عنقه ، ثم حضرا معه ، واحد سائق والآخر شهيد ثم قال الله - عز وجل - لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لتركبن طبقا عن طبق قال : " حالا بعد حال " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم " فقد اشتمل هذا الحديث على أحوال تعتري الإنسان ، من حين يخلق إلى حين يبعث ، وكله شدة بعد شدة ، حياة ثم موت ، ثم بعث ثم جزاء ، وفي كل حال من هذه شدائد . وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866667لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله ،اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وأما أقوال المفسرين ، فقال
عكرمة : حالا بعد حال ، فطيما بعد رضيع ، وشيخا بعد شباب ، قال الشاعر :
كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من بعده طبق
وعن
مكحول : كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه : وقال
الحسن : أمرا بعد أمر ، رخاء بعد شدة ، وشدة بعد رخاء ، وغنى بعد فقر ، وفقرا بعد غنى ، وصحة بعد سقم ، وسقما بعد صحة :
سعيد بن جبير : منزلة بعد منزلة ، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة ، وقوم كانوا في الدنيا مرتفعين فاتضعوا في الآخرة : وقيل : منزلة عن منزلة ، وطبقا عن طبق ، وذلك أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه ، ومن كان على فساد دعاه إلى
[ ص: 241 ] فساد فوقه ; لأن كل شيء يجري إلى شكله :
ابن زيد : ولتصيرن من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة : وقال
ابن عباس : الشدائد والأهوال : الموت ، ثم البعث ، ثم العرض ، والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد : وقع في بنات طبق ، وإحدى بنات طبق ، ومنه قيل للداهية الشديدة : أم طبق ، وإحدى بنات طبق : وأصلها من الحيات ، إذ يقال : للحية أم طبق لتحويها : والطبق في اللغة : الحال كما وصفنا ، قال
الأقرع بن حابس التميمي :
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منه إلى طبق
وهذا أدل
دليل على حدوث العالم ، وإثبات الصانع ، قالت الحكماء : من كان اليوم على حالة ، وغدا على حالة أخرى فليعلم أن تدبيره إلى سواه : وقيل
لأبي بكر الوراق : ما الدليل على أن لهذا العالم صانعا ؟ فقال : تحويل الحالات ، وعجز القوة ، وضعف الأركان ، وقهر النية ، ونسخ العزيمة : ويقال : أتانا طبق من الناس وطبق من الجراد : أي جماعة : وقول
العباس في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :
تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
أي قرن من الناس . يكون طباق الأرض أي ملأها . والطبق أيضا : عظم رقيق يفصل بين الفقارين ويقال : مضى طبق من الليل ، وطبق من النهار : أي معظم منه . والطبق : واحد الأطباق ، فهو مشترك . وقرئ ( لتركبن ) بكسر الباء ، على خطاب النفس و ( ليركبن ) بالياء على ليركبن الإنسان . و ( عن طبق ) في محل نصب على أنه صفة ل " طبقا " أي طبقا مجاوزا لطبق . أو حال من الضمير في لتركبن أي لتركبن طبقا مجاوزين لطبق ، أو مجاوزا أو مجاوزة على حسب القراءة .
قوله تعالى :
فما لهم لا يؤمنون يعني : أي شيء يمنعهم من الإيمان بعدما وضحت لهم الآيات وقامت الدلالات . وهذا استفهام إنكار . وقيل : تعجب أي اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات .
قوله تعالى :
وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون أي لا يصلون . وفي الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866668أن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة قرأ إذا السماء انشقت فسجد فيها ، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها . وقد قال
مالك : إنها ليست من عزائم السجود ; لأن المعنى لا يذعنون ولا يطيعون في العمل بواجباته .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : والصحيح أنها منه ، وهي رواية المدنيين عنه ، وقد اعتضد فيها القرآن والسنة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : لما أممت بالناس تركت قراءتها ; لأني إن سجدت أنكروه ، وإن تركتها كان تقصيرا مني ، فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي . وهذا تحقيق وعد
[ ص: 242 ] الصادق بأن يكون المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ; وقد قال - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866669لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت البيت ، ولرددته على قواعد إبراهيم .
ولقد كان شيخنا
أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع ، وعند الرفع منه ، وهو مذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ويفعله الشيعة ، فحضر عندي يوما في
محرس ابن الشواء بالثغر - موضع تدريسي - عند صلاة الظهر ، ودخل المسجد من
المحرس المذكور ، فتقدم إلى الصف وأنا في مؤخره قاعدا على طاقات البحر ، أتنسم الريح من شدة الحر ، ومعي في صف واحد
أبو ثمنة رئيس البحر وقائده ، مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ، ويتطلع على مراكب تخت الميناء ، فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال
أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترون إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا ؟ فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به إلى البحر ، فلا يراكم أحد . فطار قلبي من بين جوانحي وقلت : سبحان الله هذا
الطرطوشي فقيه الوقت . فقالوا لي : ولم يرفع يديه ؟ فقلت : كذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، وهذا مذهب
مالك ، في رواية
أهل المدينة عنه . وجعلت أسكنهم وأسكتهم حتى فرغ من صلاته ، وقمت معه إلى المسكن من
المحرس ، ورأى تغير وجهي ، فأنكره ، وسألني فأعلمته ، فضحك وقال : ومن أين لي أن أقتل على سنة ؟ فقلت له : ولا يحل لك هذا ، فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك وربما ذهب دمك . فقال : دع هذا الكلام ، وخذ في غيره .