قوله تعالى : إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد
قوله تعالى :
إن بطش ربك لشديد أي أخذه الجبابرة والظلمة ، كقوله جل ثناؤه :
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد . وقد تقدم . قال
المبرد : إن بطش ربك جواب القسم . المعنى : والسماء ذات البروج إن بطش ربك ، وما بينهما معترض مؤكد للقسم . وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم في نوادر الأصول : إن القسم واقع عما ذكر صفته بالشدة .
إنه هو يبدئ ويعيد يعني الخلق - عن أكثر العلماء - يخلقهم ابتداء ، ثم يعيدهم عند البعث ، وروى
عكرمة قال : عجب الكفار من إحياء الله - جل ثناؤه - الأموات ، وقال
ابن عباس : يبدئ لهم عذاب الحريق في الدنيا ، ثم يعيده عليهم في الآخرة . وهذا اختيار
الطبري .
وهو الغفور أي الستور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها .
الودود أي المحب لأوليائه . وروى
الضحاك عن
ابن عباس قال : كما يود أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة . وعنه أيضا الودود أي المتودد إلى أوليائه بالمغفرة ، وقال
مجاهد الواد
[ ص: 255 ] لأوليائه ، فعول بمعنى فاعل . وقال
ابن زيد : الرحيم ، وحكى
المبرد عن
إسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له ، وأنشد قول الشاعر :
وأركب في الروع عريانة ذلول الجناح لقاحا ودودا
أي لا ولد لها تحن إليه ، ويكون معنى الآية : إنه يغفر لعباده وليس له ولد يغفر لهم من أجله ، ليكون بالمغفرة متفضلا من غير جزاء . وقيل : الودود بمعنى المودود ، كركوب وحلوب ، أي يوده عباده الصالحون ويحبونه .
ذو العرش المجيد قرأ الكوفيون إلا
عاصما المجيد بالخفض ، نعتا للعرش . وقيل : ل ربك ; أي إن بطش ربك المجيد لشديد ، ولم يمتنع الفصل ، لأنه جار مجرى الصفة في التشديد . الباقون بالرفع نعتا ل " ذو " وهو الله تعالى . واختاره
أبو عبيد وأبو حاتم ; لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل ، والله سبحانه المنعوت بذلك ، وإن كان قد وصف عرشه بالكريم في آخر ( المؤمنون ) . تقول العرب : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ; أي تناهيا فيه ، حتى يقتبس منهما . ومعنى ذو العرش : أي ذو الملك والسلطان ; كما يقال : فلان على سرير ملكه ; وإن لم يكن على سرير . ويقال : ثل عرشه : أي ذهب سلطانه . وقد مضى بيان هذا في ( الأعراف ) وخاصة في ( كتاب الأسنى ، في شرح أسماء الله الحسنى ) .
فعال لما يريد أي لا يمتنع عليه شيء يريده .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فعال خبر ابتداء محذوف . وإنما قيل : فعال لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة . وقال
الفراء : هو رفع على التكرير والاستئناف ; لأنه نكرة محضة . وقال
الطبري : رفع ( فعال ) وهي نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب الغفور الودود . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11865أبي السفر قال : دخل ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على
أبي بكر - رضي الله عنه - يعودونه فقالوا : ألا نأتيك بطبيب ؟ قال : قد رآني ! قالوا : فما قال لك ؟ قال : قال : إني فعال لما أريد .