قوله تعالى : فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر قوله تعالى :
فلينظر الإنسان أي ابن آدم مم خلق ؟ وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أول أمره ، وسنته الأولى ، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء ، ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره . ومم خلق ؟ استفهام أي من أي شيء خلق ؟
ثم قال : خلق وهو جواب الاستفهام من ماء دافق أي من المني . والدفق : صب الماء ، دفقت الماء أدفقه دفقا : صببته ، فهو ماء دافق ، أي مدفوق ، كما قالوا : سر كاتم : أي مكتوم ; لأنه من قولك : دفق الماء ، على ما لم يسم فاعله . ولا يقال : دفق الماء . ويقال : دفق الله روحه : إذا دعا عليه بالموت . قال
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش : من ماء دافق أي مصبوب في الرحم ،
الزجاج : من ماء ذي اندفاق . يقال : دارع وفارس ونابل أي ذو فرس ، ودرع ، ونبل . وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . فالدافق هو المندفق بشدة قوته . وأراد ماءين : ماء الرجل وماء المرأة ; لأن الإنسان مخلوق منهما ، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما . وعن
عكرمة عن
ابن عباس :
دافق لزج .
يخرج أي هذا الماء من بين الصلب أي الظهر . وفيه لغات أربع : صلب ، وصلب - وقرئ بهما - وصلب ( بفتح اللام ) ، وصالب ( على وزن قالب ) ومنه قول
العباس :
تنقل من صالب إلى رحم [ إذا مضى عالم بدا طبق ]
والترائب أي الصدر ، الواحدة : تريبة وهي موضع القلادة من الصدر . قال [
امرؤ القيس ] :
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل
والصلب من الرجل ، والترائب من المرأة . قال
ابن عباس : " الترائب " : موضع القلادة . وعنه : ما بين ثدييها وقال
عكرمة . وروي عنه : يعني ترائب المرأة : اليدين والرجلين
[ ص: 7 ] والعينين وبه قال
الضحاك . وقال
سعيد بن جبير : هو الجيد .
مجاهد : هو ما بين المنكبين والصدر ، وعنه : الصدر . وعنه : التراقي . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير عن
ابن عباس : " الترائب " : أربع أضلاع من هذا الجانب . وحكى
الزجاج : أن الترائب : أربع أضلاع من يمنة الصدر ، وأربع أضلاع من يسرة الصدر . وقال
معمر بن أبي حبيبة المدني : الترائب عصارة القلب ومنها يكون الولد . والمشهور من كلام العرب : أنها عظام الصدر والنحر . وقال
دريد بن الصمة :
فإن تدبروا نأخذكم في ظهوركم وإن تقبلوا نأخذكم في الترائب
وقال آخر :
وبدت كأن ترائبا من نحرها جمر الغضى في ساعد تتوقد
وقال آخر :
والزعفران على ترائبها شرق به اللبات والنحر
وعن
عكرمة : " الترائب " : الصدر ثم أنشد :
نظام در على ترائبها
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة :
ضرجن البرود عن ترائب حرة [ وعن أعين قتلننا كل مقتل ]
أي شققن . ويروى ( ضرحن ) بالحاء ، أي ألقين . وفي الصحاح : والتريبة : واحدة الترائب ، وهي عظام الصدر ما بين الترقوة والثندوة .
قال الشاعر [
الأغلب العجلي ] :
أشرف ثدياها على التريب [ لم يعدوا التفليك في النتوب ]
وقال
المثقب العبدي :
ومن ذهب يسن على تريب كلون العاج ليس بذي غضون
عن غير
الجوهري : الثندوة للرجل : بمنزلة الثدي للمرأة . وقال
الأصمعي : مغرز الثدي . وقال
ابن السكيت : هي اللحم الذي حول الثدي إذا ضممت أولها همزت ، وإذا فتحت لم تهمز . وفي التفسير : يخلق من ماء الرجل الذي يخرج من صلبه العظم والعصب . ومن ماء المرأة الذي يخرج من ترائبها اللحم والدم وقاله
الأعمش . وقد تقدم مرفوعا في أول سورة ( آل عمران ) . والحمد لله - وفي ( الحجرات )
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وقد تقدم .
[ ص: 8 ] وقيل : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ، ثم يجتمع في الأنثيين . وهذا لا يعارض قوله : من بين الصلب ; لأنه إن نزل من الدماغ ، فإنما يمر بين الصلب والترائب . وقال
قتادة : المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة . وحكى
الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب وعليه فيكون معنى من بين الصلب : من الصلب . وقال
الحسن : المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، ومن صلب المرأة وترائب المرأة . ثم إنا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن ولذلك يشبه الرجل والديه كثيرا . وهذه
الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني . وأيضا المكثر من الجماع يجد وجعا في ظهره وصلبه وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبسا من الماء . وروى
إسماعيل عن
أهل مكة يخرج من بين الصلب بضم اللام . ورويت عن
عيسى الثقفي . حكاه
المهدوي وقال : من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، فالضمير في يخرج للماء . ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، فالضمير للإنسان . وقرئ ( الصلب ) ، بفتح الصاد واللام . وفيه أربع لغات : صلب وصلب وصلب وصالب . قال
العجاج :
في صلب مثل العنان المؤدم
وفي مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - [
nindex.php?page=showalam&ids=18للعباس بن عبد المطلب ] :
تنقل من صالب إلى رحم
الأبيات مشهورة معروفة .
إنه أي إن الله - جل ثناؤه - على رجعه أي على رد الماء في الإحليل ، لقادر كذا قال
مجاهد والضحاك . وعنهما أيضا أن المعنى : إنه على رد الماء في الصلب وقاله
عكرمة . وعن
الضحاك أيضا أن المعنى : إنه على رد الإنسان ماء كما كان لقادر . وعنه أيضا أن المعنى : إنه على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الكبر ، لقادر . وكذا في
المهدوي . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي والثعلبي : إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة . وقال
ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج ، لقادر . وقال
ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضا : إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر . وهو اختيار
الطبري .
الثعلبي : وهو الأقوى لقوله تعالى :
يوم تبلى السرائر قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة ; لأن الكفار يسألون الله تعالى فيها الرجعة .