قوله تعالى :
والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا
قوله تعالى : والسماء ذات الرجع أي ذات المطر . ترجع كل سنة بمطر بعد مطر . كذا قال عامة المفسرين . وقال أهل اللغة : الرجع : المطر ، وأنشدوا للمتنخل يصف سيفا شبهه بالماء :
أبيض كالرجع رسوب إذا ما ثاخ في محتفل يختلي
[ ثاخت قدمه في الوحل تثوخ وتثيخ : خاضت وغابت فيه قاله
الجوهري ] .
[ ص: 11 ] قال
الخليل : الرجع : المطر نفسه ، والرجع أيضا : نبات الربيع . وقيل : ذات الرجع . أي ذات النفع . وقد يسمى المطر أيضا أوبا ، كما يسمى رجعا ، قال [ الشاعر
المتنخل الهذلي ] :
رباء شماء لا يأوي لقلتها إلا السحاب وإلا الأوب والسبل
وقال
عبد الرحمن بن زيد : الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء تطلع من ناحية وتغيب في أخرى . وقيل : ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد . وهذا قسم .
والأرض ذات الصدع قسم آخر أي تتصدع عن النبات والشجر والثمار والأنهار ، نظيره
ثم شققنا الأرض شقا . . . الآية . والصدع : بمعنى الشق ; لأنه يصدع الأرض ، فتنصدع به . وكأنه قال : والأرض ذات النبات ; لأن النبات صادع للأرض . وقال
مجاهد : والأرض ذات الطرق التي تصدعها المشاة . وقيل : ذات الحرث ; لأنه يصدعها . وقيل : ذات الأموات : لانصداعها عنهم للنشور .
إنه لقول فصل على هذا وقع القسم . أي إن القرآن يفصل بين الحق والباطل . وقد تقدم في مقدمة الكتاب ما رواه
الحارث عن
علي - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832508كتاب فيه خبر ما قبلكم وحكم ما بعدكم ، هو الفصل ، ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله . وقيل : المراد بالقول الفصل : ما تقدم من الوعيد في هذه السورة ، من قوله تعالى :
إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر .
وما هو بالهزل أي ليس القرآن بالباطل واللعب . والهزل : ضد الجد ، وقد هزل يهزل . قال
الكميت . [ أرانا على حب الحياة وطولها ] يجد بنا في كل يوم ونهزل
إنهم أي إن أعداء الله يكيدون كيدا أي يمكرون
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكرا .
وأكيد كيدا أي أجازيهم جزاء كيدهم . وقيل : هو ما أوقع الله بهم يوم
بدر من القتل والأسر . وقيل : كيد الله : استدراجهم من حيث لا يعلمون . وقد مضى هذا المعنى في أول ( البقرة ) ، عند قوله تعالى :
الله يستهزئ بهم . مستوفى .