قوله تعالى : الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى قوله تعالى :
الذي خلق فسوى قد تقدم معنى التسوية في ( الانفطار ) وغيرها . أي سوى ما خلق ، فلم يكن في خلقه تثبيج . وقال
الزجاج : أي عدل قامته . وعن
ابن عباس : حسن ما خلق . وقال
الضحاك : خلق
آدم فسوى خلقه . وقيل : خلق في أصلاب الآباء ، وسوى في أرحام الأمهات . وقيل : خلق الأجساد ، فسوى الأفهام . وقيل : أي خلق الإنسان وهيأه للتكليف .
والذي قدر فهدى قرأ
علي - رضي الله عنه -
والسلمي nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( قدر ) مخففة الدال ، وشدد الباقون . وهما بمعنى واحد . أي قدر ووفق لكل شكل شكله . فهدى أي أرشد . قال
مجاهد : قدر الشقاوة والسعادة ، وهدى للرشد والضلالة . وعنه قال : هدى الإنسان للسعادة والشقاوة ، وهدى الأنعام لمراعيها . وقيل : قدر أقواتهم وأرزاقهم ، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنسا ، ولمراعيهم إن كانوا وحشا . وروي عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ومقاتل والكلبي في قوله فهدى قالوا : عرف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى كما قال في ( طه ) :
الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي الذكر للأنثى . وقال
عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها ، وهداها له . وقيل : خلق المنافع في الأشياء ، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها . وقيل قدر فهدى : قدر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه ، وعرفه وجه الانتفاع به . يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت ، وقد ألهمها الله أن مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام ، فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها ، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها ، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله تعالى . وهدايات الإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه ، وما لا
[ ص: 16 ] يحصر من حوائجه ، في أغذيته وأدويته ، وفي أبواب دنياه ودينه ، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع ، وشوط بطين ، لا يحيط به وصف واصف فسبحان ربي الأعلى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر ، وأقل وأكثر ، ثم هداه للخروج من الرحم . وقال
الفراء : أي قدر ، فهدى وأضل فاكتفى بذكر أحدهما كقوله تعالى :
سرابيل تقيكم الحر . ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الإيمان كقوله تعالى :
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . أي لتدعو ، وقد دعا الكل إلى الإيمان . وقيل : فهدى أي دلهم بأفعاله على توحيده ، وكونه عالما قادرا . ولا خلاف أن من شدد الدال من قدر أنه من التقدير كقوله تعالى :
وخلق كل شيء فقدره تقديرا . ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى . ويحتمل أن يكون من القدر والملك أي ملك الأشياء ، وهدى من يشاء .
قلت : وسمعت بعض أشياخي يقول :
الذي خلق فسوى وقدر فهدى . هو تفسير العلو الذي يليق بجلال الله سبحانه على جميع مخلوقاته .
قوله تعالى :
والذي أخرج المرعى أي النبات والكلأ الأخضر . قال الشاعر [
زفر بن الحارث ] :
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا
فجعله غثاء أحوى الغثاء : ما يقذف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش . وكذلك الغثاء ( بالتشديد ) . والجمع : الأغثاء ،
قتادة : الغثاء : الشيء اليابس . ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبس : غثاء وهشيم . وكذلك للذي يكون حول الماء من القماش غثاء كما قال :
كأن طمية المجيمر غدوة من السيل والأغثاء فلكة مغزل وحكى أهل اللغة : غثا الوادي وجفأ . وكذلك الماء : إذا علاه من الزبد والقماش ما لا ينتفع به . والأحوى : الأسود أي إن النبات يضرب إلى الحوة من شدة الخضرة كالأسود . والحوة : السواد قال
الأعشى :
لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثاث وفي أنيابها شنب وفي الصحاح : والحوة : سمرة الشفة . يقال : رجل أحوى ، وامرأة حواء ، وقد حويت . وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفوة . وتصغير أحوى أحيو في لغة من قال
أسيود . ثم
[ ص: 17 ] قيل : يجوز أن يكون أحوى حالا من المرعى ، ويكون المعنى : كأنه من خضرته يضرب إلى السواد والتقدير : أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء يقال : قد حوي النبت حكاه
الكسائي ، وقال :
وغيث من الوسمي حو تلاعه تبطنته بشيظم صلتان ويجوز أن يكون أحوى صفة ل غثاء . والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال
أبو عبيدة : فجعله أسود من احتراقه وقدمه والرطب إذا يبس اسود . وقال
عبد الرحمن بن زيد : أخرج المرعى أخضر ، ثم لما يبس اسود من احتراقه ، فصار غثاء تذهب به الرياح والسيول . وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار ، لذهاب الدنيا بعد نضارتها .