قوله تعالى :
والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر قوله تعالى : والليل إذا يسر وهذا قسم خامس . وبعدما أقسم بالليالي العشر على الخصوص ، أقسم بالليل على العموم . ومعنى يسري أي يسرى فيه كما يقال : ليل نائم ، ونهار صائم . قال :
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم
ومنه قوله تعالى :
بل مكر الليل والنهار . وهذا قول أكثر أهل المعاني ، وهو قول
القتبي nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش . وقال أكثر المفسرين : معنى يسري : سار فذهب . وقال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية : جاء وأقبل . وروي عن
إبراهيم :
والليل إذا يسر قال : إذا استوى . وقال
عكرمة والكلبي ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب في قوله : والليل : هي ليلة
المزدلفة خاصة لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله . وقيل : ليلة القدر لسراية الرحمة فيها ، واختصاصها بزيادة الثواب فيها . وقيل : إنه أراد عموم الليل كله .
قلت : وهو الأظهر ، كما تقدم . والله أعلم . وقرأ
ابن كثير وابن محيصن ويعقوب يسري بإثبات الياء في الحالين ، على الأصل ; لأنها ليست بمجزومة ، فثبتت فيها الياء . وقرأ
نافع وأبو عمرو بإثباتها في الوصل ، وبحذفها في الوقف ، وروي عن
الكسائي . قال
أبو عبيد : كان
الكسائي يقول مرة بإثبات الياء في الوصل ، وبحذفها في الوقف ، اتباعا للمصحف . ثم رجع إلى حذف الياء في الحالين جميعا ; لأنه رأس آية ، وهي قراءة
أهل الشام والكوفة ، واختيار
أبي عبيد ، اتباعا للخط ; لأنها وقعت في المصحف بغير ياء . قال
الخليل : تسقط الياء منها اتفاقا لرءوس الآي . قال
الفراء : قد تحذف العرب الياء ، وتكتفي بكسر ما قبلها . وأنشد بعضهم :
[ ص: 39 ] كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
يقال : فلان ما يليق درهما من جوده أي ما يمسكه ، ولا يلصق به . وقال المؤرج : سألت
الأخفش عن العلة في إسقاط الياء من يسر فقال : لا أجيبك حتى تبيت على باب داري سنة ، فبت على باب داره سنة فقال : الليل لا يسري وإنما يسرى فيه فهو مصروف ، وكل ما صرفته عن جهته بخسته من إعرابه ألا ترى إلى قوله تعالى :
وما كانت أمك بغيا ، لم يقل بغية ; لأنه صرفها عن باغية .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وياء يسري تحذف في الدرج ، اكتفاء عنها بالكسرة ، وأما في الوقف فتحذف مع الكسرة . وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم ، والجواب محذوف ، وهو ليعذبن يدل عليه قوله تعالى :
ألم تر كيف فعل ربك إلى قوله تعالى
فصب عليهم ربك سوط عذاب . وقال
ابن الأنباري هو
إن ربك لبالمرصاد .
وقال
مقاتل : هل هنا في موضع إن تقديره : إن في ذلك قسما لذي حجر . ف هل على هذا ، في موضع جواب القسم . وقيل : هي على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير كقولك : ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت . وقيل : المراد بذلك التأكيد لما أقسم به وأقسم عليه . والمعنى " : بل في ذلك مقنع لذي حجر . والجواب على هذا :
إن ربك لبالمرصاد . أو مضمر محذوف .
ومعنى
لذي حجر أي لذي لب وعقل . قال الشاعر :
وكيف يرجى أن تتوب وإنما يرجى من الفتيان من كان ذا حجر
كذا قال عامة المفسرين إلا أن
أبا مالك قال :
لذي حجر : لذي ستر من الناس . وقال
الحسن : لذي حلم . قال
الفراء : الكل يرجع إلى معنى واحد : لذي حجر ، ولذي عقل ، ولذي حلم ، ولذي ستر الكل بمعنى العقل . وأصل الحجر : المنع . يقال لمن ملك نفسه ومنعها : إنه لذو حجر ومنه سمي الحجر ، لامتناعه بصلابته : ومنه حجر الحاكم على فلان ، أي منعه وضبطه عن التصرف ولذلك سميت الحجرة حجرة ، لامتناع ما فيها بها . وقال
الفراء : العرب تقول : إنه لذو حجر : إذا كان قاهرا لنفسه ، ضابطا لها كأنه أخذ من حجرت على الرجل .