قوله تعالى : فلا اقتحم العقبة أي فهلا أنفق ماله الذي يزعم أنه أنفقه في عداوة
محمد ، هلا أنفقه لاقتحام العقبة فيأمن والاقتحام : الرمي بالنفس في شيء من غير روية يقال منه : قحم في الأمر قحوما : أي رمى بنفسه فيه من غير روية . وقحم الفرس فارسه . تقحيما على وجهه : إذا رماه . وتقحيم النفس في الشيء : إدخالها فيه من غير روية . والقحمة ( بالضم ) المهلكة ، والسنة الشديدة . يقال : أصابت الأعراب القحمة : إذا أصابهم قحط ، فدخلوا الريف . والقحم : صعاب الطريق . وقال
الفراء والزجاج : وذكر ( لا ) مرة واحدة ، والعرب لا تكاد تفرد ( لا ) مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع ، حتى يعيدوها في كلام آخر كقوله تعالى : فلا صدق ولا صلى ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . وإنما أفردوها لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله :
ثم كان من الذين آمنوا قائما مقام التكرير كأنه قال :
فلا اقتحم العقبة ولا آمن . وقيل : هو جار مجرى الدعاء كقوله : لا نجا ولا سلم .
[ ص: 59 ] وما أدراك ما العقبة قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان ابن عيينة : كل شيء قال فيه
وما أدراك ؟ فإنه أخبر به ، وكل شيء قال فيه وما يدريك ؟ فإنه لم يخبر به . وقال : معنى
فلا اقتحم العقبة أي فلم يقتحم العقبة ، كقول
زهير :
وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم
أي فلم يبدها ولم يتقدم . وكذا قال
المبرد وأبو علي : ( لا ) : بمعنى لم . وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
مجاهد . أي فلم يقتحم العقبة في الدنيا ، فلا يحتاج إلى التكرير . ثم فسر العقبة وركوبها فقال
فك رقبة وكذا وكذا فبين وجوها من القرب المالية . وقال
ابن زيد وجماعة من المفسرين : معنى الكلام الاستفهام الذي معناه الإنكار تقديره : أفلا اقتحم العقبة أو هلا اقتحم العقبة . يقول : هلا أنفق ماله في فك الرقاب ، وإطعام السغبان ، ليجاوز به العقبة ، فيكون خيرا له من إنفاقه في عداوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم قيل : اقتحام العقبة هاهنا ضرب مثل ، أي هل تحمل عظام الأمور في إنفاق ماله في طاعة ربه ، والإيمان به . وهذا إنما يليق بقول من حمل
فلا اقتحم العقبة على الدعاء أي فلا نجا ولا سلم من لم ينفق ماله في كذا وكذا . وقيل : شبه عظم الذنوب وثقلها وشدتها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحا ، كان مثله كمثل من اقتحم العقبة ، وهي الذنوب التي تضره وتؤذيه وتثقله .
قال
ابن عمر : هذه العقبة جبل في جهنم . وعن
أبي رجاء قال : بلغنا أن العقبة مصعدها سبعة آلاف سنة ، ومهبطها سبعة آلاف سنة . وقال
الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر ، فاقتحموها بطاعة الله . وقال
مجاهد والضحاك والكلبي : هي الصراط يضرب على جهنم كحد السيف ، مسيرة ثلاثة آلاف سنة ، سهلا وصعودا وهبوطا . واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء . وقيل : اقتحامه عليه قدر ما يصلي صلاة المكتوبة . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء أنه قال : إن وراءنا عقبة ، أنجى الناس منها أخفهم حملا . وقيل : النار نفسها هي العقبة . فروى
أبو رجاء عن
الحسن قال : بلغنا أنه ما من مسلم يعتق رقبة إلا كانت فداءه من النار .
وعن
عبد الله بن عمر قال : من أعتق رقبة أعتق الله - عز وجل - بكل عضو منها عضوا منه . وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832536من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار ، حتى فرجه بفرجه . وفي
الترمذي عن
أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832537أيما [ ص: 60 ] امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما ، كان فكاكه من النار ، يجزي كل عضو منه عضوا منه ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة ، كانت فكاكها من النار ، يجزي كل عضو منها عضوا منها . قال : هذا حديث حسن صحيح غريب . وقيل : العقبة خلاصه من هول العرض . وقال
قتادة وكعب : هي نار دون الجسر . وقال
الحسن : هي والله عقبة شديدة : مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان . وأنشد بعضهم :
إني بليت بأربع يرمينني بالنبل قد نصبوا علي شراكا
إبليس والدنيا ونفسي والهوى من أين أرجو بينهن فكاكا
يا رب ساعدني بعفو إنني أصبحت لا أرجو لهن سواكا