قوله تعالى : ووجدك ضالا فهدى أي غافلا عما يراد بك من أمر النبوة ، فهداك : أي أرشدك . والضلال هنا بمعنى الغفلة كقوله جل ثناؤه :
لا يضل ربي ولا ينسى أي لا يغفل . وقال في حق نبيه :
وإن كنت من قبله لمن الغافلين . وقال قوم : ضالا لم تكن تدري القرآن والشرائع ، فهداك الله إلى القرآن ، وشرائع الإسلام عن
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16128وشهر بن حوشب وغيرهما . وهو معنى قوله تعالى :
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، على ما بينا في سورة ( الشورى ) . وقال قوم :
ووجدك ضالا أي في قوم ضلال ، فهداهم الله بك . هذا قول
الكلبي والفراء . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي نحوه أي ووجد قومك في ضلال ، فهداك إلى إرشادهم . وقيل :
ووجدك ضالا عن الهجرة ، فهداك إليها . وقيل : ضالا أي ناسيا شأن الاستثناء حين سئلت عن
أصحاب الكهف nindex.php?page=showalam&ids=15873وذي القرنين والروح - فأذكرك كما قال تعالى :
أن تضل إحداهما . وقيل : ووجدك
[ ص: 86 ] طالبا للقبلة فهداك إليها بيانه :
قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية . ويكون الضلال بمعنى الطلب ; لأن الضال طالب . وقيل : ووجدك متحيرا عن بيان ما نزل عليك ، فهداك إليه فيكون الضلال بمعنى التحير ; لأن الضال متحير . وقيل : ووجدك ضائعا في قومك فهداك إليه ويكون الضلال بمعنى الضياع . وقيل : ووجدك محبا للهداية ، فهداك إليها ويكون الضلال بمعنى المحبة . ومنه قوله تعالى :
قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم أي في محبتك . قال الشاعر :
هذا الضلال أشاب مني المفرقا والعارضين ولم أكن متحققا عجبا لعزة في اختيار قطيعتي
بعد الضلال فحبلها قد أخلقا
وقيل : ضالا في شعاب
مكة ، فهداك وردك إلى جدك
عبد المطلب . قال
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832571ضل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير في شعاب مكة ، فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه ، فرده إلى جده عبد المطلب فمن الله عليه بذلك ، حين رده إلى جده على يدي عدوه . وقال
سعيد بن جبير :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832572خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمه أبي طالب في سفر ، فأخذ إبليس بزمام الناقة في ليلة ظلماء ، فعدل بها عن الطريق ، فجاء جبريل - عليه السلام - ، فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الهند ، ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك . وقال
كعب : إن
حليمة لما قضت حق الرضاع ، جاءت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لترده على
عبد المطلب ، فسمعت عند باب
مكة : هنيئا لك يا بطحاء
مكة ، اليوم يرد إليك النور والدين والبهاء والجمال . قالت : فوضعته لأصلح ثيابي ، فسمعت هدة شديدة ، فالتفت فلم أره ، فقلت : معشر الناس ، أين الصبي ؟ فقالوا : لم نر شيئا فصحت : وامحمداه فإذا شيخ فان يتوكأ على عصاه ، فقال : اذهبي إلى الصنم الأعظم ، فإن شاء أن يرده عليك فعل . ثم طاف الشيخ بالصنم ، وقبل رأسه وقال : يا رب ، لم تزل منتك على
قريش ، وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضل ، فرده إن شئت . فانكب ( هبل ) على وجهه ، وتساقطت الأصنام ، وقالت : إليك عنا أيها الشيخ ، فهلاكنا على يدي
محمد . فألقى الشيخ عصاه ، وارتعد وقال : إن لابنك ربا لا يضيعه ، فاطلبيه على مهل . فانحشرت
قريش إلى
عبد المطلب ، وطلبوه في جميع
مكة ، فلم يجدوه . فطاف
عبد المطلب بالكعبة سبعا ، وتضرع إلى الله أن يرده ، وقال :
يا رب رد ولدي محمدا اردده ربي واتخذ عندي يدا
يا رب إن محمد لم يوجدا فشمل قومي كلهم تبددا
[ ص: 87 ] فسمعوا مناديا ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضجوا ، فإن
لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه ، وإن
محمدا بوادي
تهامة ، عند شجرة السمر . فسار
عبد المطلب هو
وورقة بن نوفل ، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم تحت شجرة ، يلعب بالأغصان وبالورق . وقيل :
ووجدك ضالا ليلة المعراج ، حين انصرف عنك
جبريل وأنت لا تعرف الطريق ، فهداك إلى ساق العرش . وقال
أبو بكر الوراق وغيره :
ووجدك ضالا : تحب
أبا طالب ، فهداك إلى محبة ربك . وقال
بسام بن عبد الله :
ووجدك ضالا بنفسك لا تدري من أنت ، فعرفك بنفسك وحالك . وقال
الجنيدي : ووجدك متحيرا في بيان الكتاب ، فعلمك البيان بيانه :
لتبين للناس ما نزل إليهم الآية .
لتبين لهم الذي اختلفوا فيه . وقال بعض المتكلمين : إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض ، لا شجر معها ، سموها ضالة ، فيهتدى بها إلى الطريق فقال الله تعالى لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - :
ووجدك ضالا أي لا أحد على دينك ، وأنت وحيد ليس معك أحد فهديت بك الخلق إلي .
قلت : هذه الأقوال كلها حسان ، ثم منها ما هو معنوي ، ومنها ما هو حسي . والقول الأخير أعجب إلي ; لأنه يجمع الأقوال المعنوية . وقال قوم : إنه كان على جملة ما كان القوم عليه ، لا يظهر لهم خلافا على ظاهر الحال فأما الشرك فلا يظن به بل كان على مراسم القوم في الظاهر أربعين سنة . وقال
الكلبي nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : هذا على ظاهره أي وجدك كافرا والقوم كفار فهداك . وقد مضى هذا القول والرد عليه في سورة ( الشورى ) . وقيل : وجدك مغمورا بأهل الشرك ، فميزك عنهم . يقال : ضل الماء في اللبن ومنه
أئذا ضللنا في الأرض أي لحقنا بالتراب عند الدفن ، حتى كأنا لا نتميز من جملته . وفي قراءة
الحسن ووجدك ضال فهدى أي وجدك الضال فاهتدى بك وهذه قراءة على التفسير . وقيل :
ووجدك ضالا لا يهتدي إليك قومك ، ولا يعرفون قدرك فهدى المسلمين إليك ، حتى آمنوا بك .