قوله تعالى : فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
فأما اليتيم فلا تقهر أي لا تسلط عليه بالظلم ، ادفع إليه حقه ، واذكر يتمك قال
الأخفش . وقيل : هما لغتان : بمعنى . وعن
مجاهد فلا تقهر فلا تحتقر . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي والأشهب العقيلي ( تكهر ) بالكاف ، وكذا هو في مصحف
ابن مسعود . فعلى هذا يحتمل أن يكون نهيا عن قهره ، بظلمه وأخذ ماله . وخص اليتيم ; لأنه لا ناصر له غير الله تعالى فغلظ في أمره ، بتغليظ العقوبة على ظالمه . والعرب تعاقب بين الكاف والقاف .
النحاس : وهذا غلط ، إنما يقال كهره : إذا اشتد عليه وغلظ . وفي صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=832573معاوية بن الحكم السلمي ، حين تكلم في الصلاة برد السلام ، قال : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوالله ما كهرني ، ولا ضربني ، ولا شتمني . . . الحديث . وقيل : القهر الغلبة . والكهر : الزجر .
الثانية : ودلت الآية على
اللطف باليتيم ، وبره والإحسان إليه حتى قال
قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=832574أن رجلا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال : " إن أردت أن يلين ، فامسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين " . وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832575أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى .
ومن
[ ص: 89 ] حديث
ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=832576إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن ، فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي ، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب ، فتقول الملائكة ربنا أنت أعلم ، فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي ، اشهدوا أن من أسكته وأرضاه ؟ أن أرضيه يوم القيامة " . فكان
ابن عمر إذا رأى يتيما مسح برأسه ، وأعطاه شيئا . وعن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832577من ضم يتيما فكان في نفقته ، وكفاه مؤونته ، كان له حجابا من النار يوم القيامة ، ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة . وقال
أكثم بن صيفي : الأذلاء أربعة : النمام ، والكذاب ، والمديون ، واليتيم .
الثالثة : قوله تعالى :
وأما السائل فلا تنهر أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول . ولكن رده ببذل يسير ، أو رد جميل ، واذكر فقرك قاله
قتادة وغيره . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832578لا يمنعن أحدكم السائل ، وأن يعطيه إذا سأل ، ولو رأى في يده قلبين من ذهب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السؤال : يحملون زادنا إلى الآخرة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : السائل بريد الآخرة ، يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل تبعثون إلى أهليكم بشيء . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832579ردوا السائل ببذل يسير ، أو رد جميل ، فإنه يأتيكم من ليس من الإنس ولا من الجن ، ينظر كيف صنيعكم فيما خولكم الله . وقيل : المراد بالسائل هنا ، الذي يسأل عن الدين أي فلا تنهره بالغلظة والجفوة ، وأجبه برفق ولين قاله
سفيان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم ، على الكفاية كإعطاء سائل البر سواء . وقد كان
أبو الدرداء ينظر إلى أصحاب الحديث ، ويبسط رداءه لهم ، ويقول : مرحبا بأحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث
أبي هارون العبدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، قال : كنا إذا أتينا
أبا سعيد يقول : مرحبا بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832580إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا . وفي رواية
nindex.php?page=hadith&LINKID=832581يأتيكم رجال من قبل المشرق . . . فذكره . واليتيم والسائل منصوبان بالفعل الذي بعده وحق المنصوب أن يكون بعد الفاء ، والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ، ولا
[ ص: 90 ] تنهر السائل . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=832582سألت ربي مسألة وددت أني لم أسألها : قلت يا رب اتخذت إبراهيم خليلا ، وكلمت موسى تكليما ، وسخرت مع داود الجبال يسبحن ، وأعطيت فلانا كذا فقال - عز وجل - : ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أوتك ما لم أوت أحدا قبلك : خواتيم سورة البقرة ، ألم أتخذك خليلا ، كما اتخذت إبراهيم خليلا ؟ قلت بلى يا رب " .
الرابعة : قوله تعالى :
وأما بنعمة ربك فحدث أي انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء . والتحدث بنعم الله ، والاعتراف بها شكر . وروى
ابن أبي نجيح عن
مجاهد وأما بنعمة ربك قال بالقرآن . وعنه قال : بالنبوة أي بلغ ما أرسلت به . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والحكم عام له ولغيره . وعن
الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال : إذا أصبت خيرا ، أو عملت خيرا ، فحدث به الثقة من إخوانك . وعن
عمرو بن ميمون قال : إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به ، يقول له : رزق الله من الصلاة البارحة وكذا وكذا . وكان
أبو فراس عبد الله بن غالب إذا أصبح يقول : لقد رزقني الله البارحة كذا ، قرأت كذا ، وصليت كذا ، وذكرت الله كذا ، وفعلت كذا . فقلنا له : يا
أبا فراس ، إن مثلك لا يقول هذا قال يقول الله تعالى :
وأما بنعمة ربك فحدث وتقولون أنتم : لا تحدث بنعمة الله ونحوه عن
أيوب السختياني nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبي رجاء العطاردي - رضي الله عنهم - . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله المزني قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=832583من أعطي خيرا فلم ير عليه ، سمي بغيض الله ، معاديا لنعم الله " .
وروى
الشعبي عن
النعمان بن بشير قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832584من لم يشكو القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس ، لم يشكر الله ، والتحدث بالنعم شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
مالك بن نضلة الجشمي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832585كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا ، فرآني رث الثياب فقال : " ألك مال ؟ " قلت : نعم ، يا رسول الله ، من كل المال . قال : " إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك " . وروى
أبو سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832586إن الله جميل يحب الجمال ، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده .
فصل : يكبر القارئ في رواية
البزي عن
ابن كثير - وقد رواه
مجاهد عن
ابن عباس ، [ ص: 91 ] عن
أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
إذا بلغ آخر والضحى كبر بين كل سورة تكبيرة ، إلى أن يختم القرآن ، ولا يصل آخر السورة بتكبيره بل يفصل بينهما بسكتة . وكأن المعنى في ذلك أن الوحي تأخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أياما ، فقال ناس من المشركين : قد ودعه صاحبه وقلاه فنزلت هذه السورة فقال : " الله أكبر " . قال
مجاهد : قرأت على
ابن عباس ، فأمرني به ، وأخبرني به عن
أبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يكبر في قراءة الباقين ; لأنها ذريعة إلى الزيادة في القرآن .
قلت : القرآن ثبت نقلا متواترا سوره وآياته وحروفه لا زيادة فيه ولا نقصان فالتكبير على هذا ليس بقرآن . فإذا كان بسم الله الرحمن الرحيم المكتوب في المصحف بخط المصحف ليس بقرآن ، فكيف بالتكبير الذي هو ليس بمكتوب . أما أنه ثبت سنة بنقل الآحاد ، فاستحبه
ابن كثير ، لا أنه أوجبه فخطأ من تركه . ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ في كتاب ( المستدرك ) له على
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم : حدثنا
أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد ، المقرئ الإمام
بمكة ، في
المسجد الحرام ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14614أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ ، قال : حدثنا
أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة : سمعت
عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على
إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين ، فلما بلغت والضحى قال لي كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، فإني
nindex.php?page=hadith&LINKID=832587قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت والضحى قال : كبر حتى تختم . وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك . هذا حديث صحيح ولم يخرجاه .