[ ص: 123 ] تفسير سورة ( لم يكن )
وهي مكية في قول
يحيى بن سلام .
ومدنية في قول
ابن عباس والجمهور . وهي تسع آيات
وقد جاء في فضلها حديث لا يصح ، رويناه عن
محمد بن محمد بن عبد الله الحضرمي قال : قال لي
أبو عبد الرحمن بن نمير : اذهب إلى
أبي الهيثم الخشاب ، فاكتب عنه فإنه قد كتب ، فذهب إليه ، فقال : حدثنا
مالك بن أنس ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832639 " لو يعلم الناس ما في ( لم يكن ) الذين كفروا من أهل الكتاب ، لعطلوا الأهل والمال ، فتعلموها " فقال رجل من خزاعة : وما فيها من الأجر يا رسول الله ؟ قال : " لا يقرؤها منافق أبدا ، ولا عبد في قلبه شك في الله . والله إن الملائكة المقربين يقرءونها منذ خلق الله السماوات والأرض ما يفترون من قراءتها . وما من عبد يقرؤها إلا بعث الله إليه ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه ، ويدعون له بالمغفرة والرحمة " .
قال
الحضرمي : فجئت إلى
أبي عبد الرحمن بن نمير ، فألقيت هذا الحديث عليه ، فقال : هذا قد كفانا مئونته ، فلا تعد إليه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : " روى
إسحاق بن بشر الكاهلي عن
مالك بن أنس ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
ابن المسيب : عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" لو يعلم الناس ما في ( لم يكن ) الذين كفروا لعطلوا الأهل والمال ولتعلموها " . حديث باطل ; وإنما الحديث الصحيح ما روي عن
أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=showalam&ids=34لأبي بن كعب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832640 " إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا قال : وسماني لك ! قال " نعم " فبكى .
[ ص: 124 ] قلت : خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم . وفيه من الفقه
قراءة العالم على المتعلم . قال بعضهم : إنما قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - على
أبي ، ليعلم الناس التواضع ; لئلا يأنف أحد من التعلم والقراءة على من دونه في المنزلة . وقيل : لأن
أبيا كان أسرع أخذا لألفاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فأراد بقراءته عليه ، أن يأخذ ألفاظه ويقرأ كما سمع منه ، ويعلم غيره . وفيه فضيلة عظيمة
لأبي ; إذ أمر الله رسوله أن يقرأ عليه . قال
أبو بكر الأنباري : وحدثنا
أحمد بن الهيثم بن خالد ، قال حدثنا
علي بن الجعد ، قال حدثنا
عكرمة عن
عاصم عن
زر بن حبيش قال : في قراءة
أبي بن كعب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832641ابن آدم لو أعطي واديا من مال لالتمس ثانيا ولو أعطي واديين من مال لالتمس ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب . قال
عكرمة . قرأ علي
عاصم لم يكن ثلاثين آية ، هذا فيها . قال
أبو بكر : هذا باطل عند أهل العلم ; لأن قراءتي
ابن كثير وأبي عمرو متصلتان
nindex.php?page=showalam&ids=34بأبي بن كعب ، لا يقرأ فيهما هذا المذكور في لم يكن مما هو معروف في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، على أنه من كلام الرسول - عليه السلام - ، لا يحكيه عن رب العالمين في القرآن . وما رواه اثنان معهما الإجماع أثبت مما يحكيه واحد مخالف مذهب الجماعة .
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة
قوله تعالى :
لم يكن الذين كفروا كذا قراءة العامة ، وخط المصحف . وقرأ
ابن مسعود لم يكن المشركون
وأهل الكتاب منفكين وهذه قراءة على التفسير . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : " وهي جائزة في معرض البيان لا في معرض التلاوة ; فقد قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية الصحيح ( فطلقوهن لقبل عدتهن ) وهو تفسير ; فإن التلاوة : هو ما كان في خط المصحف " .
قوله تعالى :
من أهل الكتاب يعني
اليهود والنصارى والمشركين في موضع جر عطفا على
أهل الكتاب . قال
ابن عباس أهل الكتاب :
اليهود الذين كانوا
بيثرب ، وهم
قريظة والنضير وبنو قينقاع . والمشركون : الذين كانوا
بمكة وحولها ،
والمدينة والذين حولها ; وهم مشركو
قريش .
منفكين أي منتهين عن كفرهم ، مائلين عنه .
حتى تأتيهم أي أتتهم البينة ; أي
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : الانتهاء بلوغ الغاية أي لم يكونوا ليبلغوا نهاية أعمارهم فيموتوا ، حتى تأتيهم البينة . فالانفكاك على هذا بمعنى الانتهاء . وقيل : منفكين
[ ص: 125 ] زائلين ; أي لم تكن مدتهم لتزول حتى يأتيهم رسول . والعرب تقول : ما انفككت أفعل كذا : أي ما زلت . وما انفك فلان قائما ، أي ما زال قائما . وأصل الفك : الفتح ; ومنه فك الكتاب ، وفك الخلخال ، وفك السالم . قال
طرفة :
فآليت لا ينفك كشحي بطانة لعضب رقيق الشفرتين مهند
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة :
حراجيج ما تنفك إلا مناخة على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا
يريد : ما تنفك مناخة ; فزاد إلا . وقيل : منفكين : بارحين ; أي لم يكونوا ليبرحوا ويفارقوا الدنيا ، حتى تأتيهم البينة . وقال
ابن كيسان : أي لم يكن
أهل الكتاب تاركين صفة
محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابهم ، حتى بعث ; فلما بعث حسدوه وجحدوه . وهو كقوله :
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به . ولهذا قال :
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب . . . الآية . وعلى هذا فقوله والمشركين أي ما كانوا يسيئون القول في
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، حتى بعث ; فإنهم كانوا يسمونه الأمين ، حتى أتتهم البينة على لسانه ، وبعث إليهم ، فحينئذ عادوه . وقال بعض اللغويين : منفكين هالكين ; من قولهم : انفك صلا المرأة عند الولادة ; وهو أن ينفصل ، فلا يلتئم فتهلك المعنى : لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم ، بإرسال الرسل وإنزال الكتب . وقال قوم في المشركين : إنهم من
أهل الكتاب ; فمن
اليهود من قال :
عزير ابن الله . ومن
النصارى من قال :
عيسى هو الله . ومنهم من قال : هو ابنه . ومنهم من قال : ثالث ثلاثة . وقيل :
أهل الكتاب كانوا مؤمنين ، ثم كفروا بعد أنبيائهم . والمشركون ولدوا على الفطرة ، فكفروا حين بلغوا . فلهذا قال : والمشركين .
وقيل : المشركون وصف
أهل الكتاب أيضا لأنهم لم ينتفعوا بكتابهم ، وتركوا التوحيد .
فالنصارى مثلثة ، وعامة
اليهود مشبهة ; والكل شرك . وهو كقولك : جاءني العقلاء والظرفاء ; وأنت تريد أقواما بأعيانهم ، تصفهم بالأمرين . فالمعنى : من
أهل الكتاب المشركين . وقيل : إن الكفر هنا هو الكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ; أي لم يكن الذين كفروا
بمحمد من
اليهود والنصارى ، الذين هم
أهل الكتاب ، ولم يكن المشركون ، الذين هم عبدة الأوثان من العرب وغيرهم - وهم الذين ليس لهم كتاب - منفكين . قال
القشيري : وفيه بعد ; لأن الظاهر من قوله حتى تأتيهم البينة رسول من الله أن هذا الرسول هو
محمد - صلى الله عليه وسلم - . فيبعد أن يقال : لم يكن الذين كفروا
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - منفكين حتى يأتيهم
محمد ; إلا أن يقال : أراد : لم يكن الذين كفروا الآن
بمحمد - وإن كانوا من قبل معظمين له - بمنتهين عن هذا الكفر ، إلى أن يبعث الله
محمدا إليهم ويبين لهم الآيات ;
[ ص: 126 ] فحينئذ يؤمن قوم . وقرأ
الأعمش وإبراهيم والمشركون رفعا ، عطفا على الذين . والقراءة الأولى أبين ; لأن الرفع يصير فيه الصنفان كأنهم من غير
أهل الكتاب . وفي حرف
أبي : فما كان الذين كفروا من
أهل الكتاب والمشركون منفكين . وفي مصحف
ابن مسعود : لم يكن المشركون
وأهل الكتاب منفكين . وقد تقدم .
حتى تأتيهم البينة قيل حتى أتتهم . والبينة :
محمد - صلى الله عليه وسلم - . رسول من الله أي بعث من الله جل ثناؤه . قال
الزجاج : رسول رفع على البدل من البينة . وقال
الفراء : أي هي رسول من الله ، أو هو رسول من الله ; لأن البينة قد تذكر فيقال : بينتي فلان . وفي حرف
أبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رسولا بالنصب على القطع .
يتلو أي يقرأ . يقال : تلا يتلو تلاوة .
صحفا جمع صحيفة ، وهي ظرف المكتوب .
مطهرة قال
ابن عباس : من الزور ، والشك ، والنفاق ، والضلالة . وقال
قتادة : من الباطل . وقيل : من الكذب ، والشبهات . والكفر ; والمعنى واحد . أي يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب ; ويدل عليه أنه كان يتلو عن ظهر قلبه ، لا عن كتاب ; لأنه كان أميا ، لا يكتب ولا يقرأ . ومطهرة : من نعت الصحف ; وهو كقوله تعالى :
في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة ، فالمطهرة نعت للصحف في الظاهر ، وهي نعت لما في الصحف من القرآن . وقيل : مطهرة أي ينبغي ألا يمسها إلا المطهرون ; كما قال في سورة ( الواقعة ) حسب ما تقدم بيانه . وقيل : الصحف المطهرة : هي التي عند الله في أم الكتاب ، الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء من الكتب ; كما قال تعالى :
بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ . قال
الحسن : يعني الصحف المطهرة في السماء .
فيها كتب قيمة أي مستقيمة مستوية محكمة ; من قول العرب : قام يقوم إذا استوى وصح . وقال بعض أهل العلم : الصحف هي الكتب ; فكيف قال في صحف فيها كتب ؟ فالجواب : أن الكتب هنا بمعنى الأحكام ; قال الله - عز وجل - :
كتب الله لأغلبن بمعنى حكم . وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500598والله لأقضين بينكما بكتاب الله ثم قضى بالرجم ، وليس ذكر الرجم مسطورا في الكتاب ; فالمعنى : لأقضين بينكما بحكم الله تعالى . وقال الشاعر :
وما الولاء بالبلاء فملتم وما ذاك قال الله إذ هو يكتب
وقيل : الكتب القيمة : هي القرآن ; فجعله كتبا لأنه يشتمل على أنواع من البيان .