[ ص: 137 ] سورة العاديات
وهي إحدى عشرة آية
وهي مكية في قول
ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء .
ومدنية في قول
ابن عباس وأنس nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وقتادة .
والعاديات ضبحا فالموريات قدحا
قوله تعالى :
والعاديات ضبحا أي الأفراس تعدو . كذا قال عامة المفسرين وأهل اللغة ; أي تعدو في سبيل الله فتضبح . قال
قتادة : تضبح إذا عدت ; أي تحمحم . وقال
الفراء : الضبح : صوت أنفاس الخيل إذا عدون .
ابن عباس : ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب . وقيل : كانت تكعم لئلا تصهل ، فيعلم العدو بهم فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : أقسم الله
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقال :
يس والقرآن الحكيم ، وأقسم بحياته فقال :
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها ، وقدح حوافرها النار من الحجر ، فقال :
والعاديات ضبحا . . . الآيات الخمس . وقال أهل اللغة :
وطعنة ذات رشاش واهيه طعنتها عند صدور العاديه
[ ص: 138 ] يعني الخيل . وقال آخر :
والعاديات أسابي الدماء بها كأن أعناقها أنصاب ترجيب
يعني الخيل . وقال
عنترة :
والخيل تعلم حين تض بح في حياض الموت ضبحا
وقال آخر :
لست بالتبع اليماني إن لم تضبح الخيل في سواد العراق
وقال أهل اللغة : وأصل الضبح والضباح للثعالب ; فاستعير للخيل . وهو من قول العرب : ضبحته النار : إذا غيرت لونه ولم تبالغ فيه . وقال الشاعر :
فلما أن تلهوجنا شواء به اللهبان مقهورا ضبيحا
وانضبح لونه : إذا تغير إلى السواد قليلا . وقال :
علقتها قبل انضباح لوني وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيرت حالها من فزع وتعب أو طمع . ونصب ضبحا على المصدر ; أي والعاديات تضبح ضبحا . والضبح أيضا الرماد . وقال
البصريون : ضبحا نصب على الحال . وقيل : مصدر في موضع الحال . قال
أبو عبيدة : ضبحت الخيل ضبحا مثل ضبعت ; وهو السير . وقال
أبو عبيدة : الضبح والضبع : بمعنى العدو والسير . وكذا قال
المبرد : الضبح مد أضباعها في السير .
وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية إلى أناس من
بني كنانة ، فأبطأ عليه خبرها ، وكان استعمل عليهم
المنذر بن عمرو الأنصاري ، وكان أحد النقباء ; فقال المنافقون : إنهم قتلوا ; فنزلت هذه السورة إخبارا للنبي - صلى الله عليه وسلم - بسلامتها ، وبشارة له بإغارتها على القوم الذين بعث إليهم . وممن قال : إن المراد بالعاديات الخيل ،
ابن عباس وأنس والحسن ومجاهد . والمراد الخيل التي يغزو عليها المؤمنون . وفي الخبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832655 " من لم يعرف حرمة فرس الغازي ، ففيه شعبة من النفاق " . وقول ثان : أنها الإبل ; قال
مسلم : نازعت فيها
عكرمة فقال
عكرمة : قال
ابن عباس هي الخيل . وقلت : قال
علي هي الإبل في الحج ، ومولاي أعلم من مولاك . وقال
الشعبي : تمارى
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في العاديات ، فقال
علي : هي الإبل تعدو في الحج . وقال
ابن عباس : هي الخيل ; ألا تراه يقول :
فأثرن به نقعا [ ص: 139 ] فهل تثير إلا بحوافرها ! وهل تضبح الإبل ! فقال
علي : ليس كما قلت ، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق
nindex.php?page=showalam&ids=53للمقداد ، وفرس
لمرثد بن أبي مرثد ; ثم قال له
علي : أتفتي الناس بما لا تعلم ! والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام وما معنا إلا فرسان : فرس
nindex.php?page=showalam&ids=53للمقداد ، وفرس
للزبير ; فكيف تكون العاديات ضبحا ! إنما العاديات الإبل من
عرفة إلى
المزدلفة ، ومن
المزدلفة إلى
عرفة . قال
ابن عباس : فرجعت إلى قول
علي ، وبه قال
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . ومنه قول
صفية بنت عبد المطلب :
فلا والعاديات غداة جمع
بأيديها إذا سطع الغبار
يعني الإبل . وسميت العاديات لاشتقاقها من العدو ، وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي . وقال آخر :
رأى صاحبي في العاديات نجيبة وأمثالها في الواضعات القوامس
ومن قال هي الإبل فقوله ضبحا بمعنى ضبعا ; فالحاء عنده مبدلة من العين ; لأنه يقال : ضبعت الإبل وهو أن تمد أعناقها في السير . وقال
المبرد : الضبع مد أضباعها في السير . والضبح أكثرها ما يستعمل في الخيل . والضبع في الإبل . وقد تبدل الحاء من العين .
أبو صالح : الضبح من الخيل : الحمحمة ، ومن الإبل التنفس . وقال
عطاء : ليس شيء من الدواب يضبح إلا الفرس والثعلب والكلب ; وروي عن
ابن عباس . وقد تقدم عن أهل اللغة أن العرب تقول : ضبح الثعلب ; وضبح في غير ذلك أيضا . قال
توبة :
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر ضابح
زقا الصدى يزقو زقاء : أي صاح . وكل زاق صائح . والزقية : الصيحة .
فالموريات قدحا قال
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والضحاك : هي الخيل حين توري النار بحوافرها ، وهي سنابكها ; وروي عن
ابن عباس . وعنه أيضا : أورت بحوافرها غبارا . وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدح النار ; وإنما هذا في الإبل . وروى
ابن نجيح عن
مجاهد والعاديات ضبحا فالموريات قدحا قال قال
ابن عباس : هو في القتال وهو في الحج .
ابن مسعود : هي الإبل تطأ الحصى ، فتخرج منها النار . وأصل القدح الاستخراج ; ومنه قدحت العين : إذا أخرجت منها الماء الفاسد . واقتدحت بالزند . واقتدحت المرق : غرفته . وركي قدوح : تغترف باليد . والقديح : ما يبقى في أسفل القدر ، فيغرف بجهد . والمقدحة : ما تقدح به النار . والقداحة والقداح : الحجر الذي يوري النار . يقال : ورى الزند ( بالفتح ) يري وريا : إذا خرجت ناره .
[ ص: 140 ] وفيه لغة أخرى : وري الزند ( بالكسر ) يري فيهما . وقد مضى هذا في سورة ( الواقعة ) . وقدحا انتصب بما انتصب به ضبحا . وقيل : هذه الآيات في الخيل ; ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوهم . ومنه يقال للحرب إذا التحمت : حمي الوطيس . ومنه قوله تعالى :
كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله . وروي معناه عن
ابن عباس أيضا ، وقاله
قتادة . وعن
ابن عباس أيضا ، وقاله
قتادة . وعن
ابن عباس أيضا : أن المراد بالموريات قدحا : مكر الرجال في الحرب ; وقاله
مجاهد وزيد بن أسلم . والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكرن بك ، ثم لأورين لك . وعن
ابن عباس أيضا : هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل ، لحاجتهم وطعامهم . وعنه أيضا : أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهابا . وكل من قرب من العدو يوقد نيرانا كثيرة ليظنهم العدو كثيرا . فهذا إقسام بذلك . قال
محمد بن كعب : هي النار تجمع . وقيل هي أفكار الرجال توري نار المكر والخديعة .
وقال
عكرمة : هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ، ويظهر بها من إقامة الحجج ، وإقامة الدلائل ، وإيضاح الحق ، وإبطال الباطل . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريح عن بعضهم قال : فالمنجحات أمرا وعملا ، كنجاح الزند إذا أوري .
قلت : هذه الأقوال مجاز ; ومنه قولهم : فلان يوري زناد الضلالة . والأول : الحقيقة ، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النار بحوافرها . قال
مقاتل : العرب تسمي تلك النار نار
أبي حباحب ، وكان
أبو حباحب شيخا من
مضر في الجاهلية ، من أبخل الناس ، وكان لا يوقد نارا لخبز ولا غيره حتى تنام العيون ، فيوقد نويرة تقد مرة وتخمد أخرى ; فإن استيقظ لها أحد أطفأها ، كراهية أن ينتفع بها أحد . فشبهت العرب هذه النار بناره ; لأنه لا ينتفع بها . وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت نارا ، فكذلك يسمونها . قال
النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب