قوله تعالى : فأثرن به نقعا أي غبارا ; يعني الخيل تثير الغبار بشدة العدو في المكان الذي أغارت به . قال
عبد الله بن رواحة :
عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
والكناية في به ترجع إلى المكان أو إلى الموضع الذي تقع فيه الإغارة . وإذا علم المعنى جاز أن يكنى عما لم يجر له ذكر بالتصريح ; كما قال
حتى توارت بالحجاب . وقيل :
فأثرن به ، أي بالعدو نقعا . وقد تقدم ذكر العدو . وقيل : النقع : ما بين
مزدلفة إلى
منى ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي . وقيل : إنه طريق الوادي ; ولعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع . وفي الصحاح : النقع : الغبار ، والجمع : نقاع . والنقع : محبس الماء ، وكذلك ما اجتمع في البئر منه . وفي الحديث : أنه نهى أن يمنع نقع البئر . والنقع الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء ; والجمع : نقاع وأنقع ; مثل بحر وبحار وأبحر .
قلت : وقد يكون النقع رفع الصوت ، ومنه حديث
عمر حين قيل له : إن النساء قد اجتمعن يبكين على
خالد بن الوليد ; فقال : وما على نساء
بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن وهن جلوس على
أبي سليمان ، ما لم يكن نقع ، ولا لقلقة . قال
أبو عبيد : يعني بالنقع رفع الصوت ; على هذا رأيت قول الأكثرين من أهل العلم ; ومنه قول
لبيد :
فمتى ينقع صراخ صادق يحلبوها ذات جرس وزجل
ويروى يحلبوها أيضا . يقول : متى سمعوا صراخا أحلبوا الحرب ، أي جمعوا لها . وقوله ( ينقع صراخ ) : يعني رفع الصوت . وقال
الكسائي : قوله نقع ولا لقلقة النقع : صنعة الطعام ; يعني في المأتم . يقال منه : نقعت أنقع نقعا . قال
أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النقيعة ; وإنما النقيعة عند غيره من العلماء : صنعة الطعام عند القدوم من سفر ، لا في المأتم . وقال بعضهم : يريد
عمر بالنقع : وضع التراب على الرأس ; يذهب إلى أن النقع هو الغبار . ولا
[ ص: 142 ] أحسب
عمر ذهب إلى هذا ، ولا خافه منهن ، وكيف يبلغ خوفه ذا وهو يكره لهن القيام . فقال : يسفكن من دموعهن وهن جلوس . قال بعضهم : النقع : شق الجيوب ; وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه ، وليس النقع عندي في الحديث إلا الصوت الشديد ، وأما اللقلقة : فشدة الصوت ، ولم أسمع فيه اختلافا . وقرأ
أبو حيوة ( فأثرن ) بالتشديد ; أي أرت آثار ذلك . ومن خفف فهو من أثار : إذا حرك ; ومنه
وأثاروا الأرض .