قوله تعالى : فصل لربك وانحر
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : فصل أي أقم الصلاة المفروضة عليك ; كذا رواه
الضحاك عن
ابن عباس . وقال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء وعكرمة :
فصل لربك صلاة العيد ويوم النحر . وانحر نسكك . وقال
أنس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832694كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينحر ثم يصلي ، فأمر أن يصلي ثم ينحر . وقال
سعيد بن جبير أيضا : صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع ، وانحر البدن
بمنى ، وقال
سعيد بن جبير أيضا : نزلت في
الحديبية حين حصر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
البيت ، فأمره الله تعالى أن يصلي وينحر البدن وينصرف ; ففعل ذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : أما من قال : إن المراد بقوله تعالى : فصل : الصلوات الخمس ; فلإنها ركن العبادات ، وقاعدة الإسلام ، وأعظم دعائم الدين . وأما من قال : إنها صلاة الصبح
بالمزدلفة ; فلأنها مقرونة بالنحر ، وهو في ذلك اليوم ، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها ; فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحر " .
قلت : وأما من قال إنها صلاة العيد ; فذلك بغير
مكة ; إذ ليس
بمكة صلاة عيد بإجماع ، فيما حكاه
ابن عمر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ( فأما
مالك فقال : ما سمعت فيه شيئا ، والذي يقع في نفسي أن المراد بذلك صلاة يوم النحر ، والنحر بعدها ) . وقال
علي - رضي الله عنه -
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب : المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة . وروي عن
ابن عباس أيضا . وروي عن
علي أيضا : أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره . وكذا قال
جعفر بن علي :
[ ص: 195 ] فصل لربك وانحر قال : يرفع يديه أول ما يكبر للإحرام إلى النحر . وعن
علي - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832695لما نزلت فصل لربك وانحر قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : " ما هذه النحيرة التي أمرني الله بها " ؟ قال : " ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ، أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وإن زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة " . وعن
أبي صالح عن
ابن عباس قال : استقبل القبلة بنحرك ; وقاله
الفراء والكلبي وأبو الأحوص . ومنه قول الشاعر :
أبا حكم ما أنت عم مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر
أي المتقابل . قال
الفراء : سمعت بعض العرب يقول : منازلنا تتناحر ; أي تتقابل ، نحر هذا بنحر هذا ; أي قبالته . وقال
ابن الأعرابي : هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب ; من قولهم : منازلهم تتناحر ; أي تتقابل . وروي عن
عطاء قال : أمره أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره . وقال
سليمان التيمي : يعني وارفع يدك بالدعاء إلى نحرك . وقيل : فصل معناه : واعبد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي :
إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر يقول : إن ناسا
يصلون لغير الله ،
وينحرون لغير الله ; وقد أعطيناك الكوثر ، فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : والذي عندي أنه أراد : اعبد ربك ، وانحر له ، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر ، وبالحري أن يكون جميع العمل يوازي هذه الخصوصية من الكوثر ، وهو الخير الكثير ، الذي أعطاكه الله ، أو النهر الذي طينه مسك ، وعدد آنيته نجوم السماء ; أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر ، وذبح كبش أو بقرة أو بدنة ، فذلك يبعد في التقدير والتدبير ، وموازنة الثواب للعبادة . والله أعلم .
الثانية : قد مضى القول في سورة ( الصافات ) في الأضحية وفضلها ، ووقت ذبحها ; فلا معنى لإعادة ذلك . وذكرنا أيضا في سورة ( الحج ) جملة من أحكامها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ومن عجيب الأمر : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال : إن من
ضحى قبل الصلاة أجزأه ، والله تعالى يقول في كتابه :
فصل لربك وانحر ، فبدأ بالصلاة قبل النحر ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، قال ) :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832696أول ما نبدأ به في يومنا هذا : نصلي ، ثم نرجع فننحر ، من فعل فقد أصاب نسكنا ، ومن ذبح قبل ، فإنما هو لحم قدمه لأهله ، ليس من النسك في شيء " . وأصحابه ينكرونه ، وحبذا الموافقة .
[ ص: 196 ] الثالثة : وأما ما روي عن
علي - عليه السلام -
فصل لربك وانحر قال :
وضع اليمين على الشمال في الصلاة ( خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ) ، فقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال :
الأول : لا توضع فريضة ولا نافلة ; لأن ذلك من باب الاعتماد . ولا يجوز في الفرض ، ولا يستحب في النفل .
الثاني : لا يفعلها في الفريضة ، ويفعلها في النافلة استعانة ; لأنه موضع ترخص .
الثالث : يفعلها في الفريضة والنافلة . وهو الصحيح ; لأنه ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=832697وضع يده اليمنى على اليسرى من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر وغيره . قال
ابن المنذر : وبه قال
مالك وأحمد وإسحاق ، وحكي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . واستحب ذلك أصحاب الرأي . ورأت جماعة إرسال اليد . وممن روينا ذلك عنه
ابن المنذر والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي .
قلت : وهو مروي أيضا عن
مالك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : إرسال اليدين ، ووضع اليمنى على الشمال ، كل ذلك من سنة الصلاة .
الرابعة : واختلفوا في
الموضع الذي توضع عليه اليد ; فروي عن
علي بن أبي طالب : أنه وضعهما على صدره . وقال
سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل : فوق السرة . وقال : لا بأس إن كانت تحت السرة . وقالت طائفة : توضع تحت السرة . وروي ذلك عن
علي nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة والنخعي وأبي مجلز . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وإسحاق .
الخامسة : وأما
رفع اليدين في التكبير عند الافتتاح والركوع والرفع من الركوع والرفع من الركوع والسجود ، فاختلف في ذلك ; فروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
حميد عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832698كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا سجد . لم يروه عن
حميد مرفوعا إلا
عبد الوهاب الثقفي . والصواب : من فعل
أنس . وفي الصحيحين من حديث
ابن عمر ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832699رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ، حتى تكونا حذو منكبيه ، ثم يكبر ، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ، ويفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع ، ويقول سمع الله لمن حمده . ولا يفعل ذلك حين يرفع رأسه من السجود .
قال
ابن المنذر : وهذا قول
الليث بن سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور . وحكى
ابن وهب عن
مالك هذا القول . وبه أقول ; لأنه الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقالت طائفة : يرفع
[ ص: 197 ] المصلي يديه حين يفتتح الصلاة ، ولا يرفع فيما سوى ذلك . هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وأصحاب الرأي .
قلت : وهو المشهور من مذهب
مالك ; لحديث
ابن مسعود ; ( خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
إسحاق بن أبي إسرائيل ) ، قال : حدثنا
محمد بن جابر عن
حماد عن
إبراهيم عن
علقمة عن
عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832700صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ; فلم يرفعوا أيديهم إلا أولا عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة . قال
إسحاق : به نأخذ في الصلاة كلها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : تفرد به
محمد بن جابر ( وكان ضعيفا ) عن
حماد عن
إبراهيم . وغير
حماد يرويه عن
إبراهيم مرسلا عن
عبد الله ، من فعله ، غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهو الصواب . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
البراء : أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=832701رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من الصلاة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : وإنما لقن
يزيد في آخر عمره : ( ثم لم يعد ) فتلقنه وكان قد اختلط . وفي ( مختصر ما ليس في المختصر ) عن
مالك : لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة . قال
ابن القاسم : ولم أر
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يرفع يديه عند الإحرام ، قال : وأحب إلي ترك رفع اليدين عند الإحرام .