[ ص: 28 ] قوله تعالى :
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين قوله تعالى : بئسما اشتروا بئس في كلام العرب مستوفية للذم ، كما أن " نعم " مستوفية للمدح . وفي كل واحدة منها أربع لغات : بئس ، بئس ، بئس ، بئس . نعم ، نعم ، نعم ، نعم . ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن " ما " فاعلة بئس ، ولا تدخل إلا على أسماء الأجناس والنكرات . وكذا نعم ، فتقول نعم الرجل زيد ، ونعم رجلا زيد ، فإذا كان معها اسم بغير ألف ولام فهو نصب أبدا ، فإذا كان فيه ألف ولام فهو رفع أبدا ، ونصب رجل على التمييز . وفي نعم مضمر على شريطة التفسير ، وزيد مرفوع على وجهين : على خبر ابتداء محذوف ، كأنه قيل من الممدوح ؟ قلت هو زيد ، والآخر على الابتداء وما قبله خبره . وأجاز
أبو علي أن تليها " ما " موصولة وغير موصولة من حيث كانت مبهمة تقع على الكثرة ولا تخص واحدا بعينه ، والتقدير عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : بئس الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا . ف
أن يكفروا في موضع رفع بالابتداء ، وخبره فيما قبله ، كقولك : بئس الرجل زيد ، و " ما " على هذا القول موصولة . وقال
الأخفش : " ما " في موضع نصب على التمييز ، كقولك : بئس رجلا زيد ، فالتقدير بئس شيئا أن يكفروا . ف
اشتروا به أنفسهم على هذا القول صفة " ما " . وقال
الفراء : بئسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا . وفي هذا القول اعتراض ; لأنه يبقى فعل بلا فاعل . وقال
الكسائي : " ما " واشتروا بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه ، والتقدير بئس اشتراؤهم أن يكفروا . وهذا مردود ، فإن نعم وبئس لا يدخلان على اسم معين معرف ، والشراء قد تعرف بإضافته إلى الضمير . قال
النحاس : وأبين هذه الأقوال قول
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه . قال
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي :
أن يكفروا إن شئت كانت أن في موضع خفض ردا على الهاء في به . قال
الفراء : أي اشتروا أنفسهم بأن يكفروا بما أنزل الله . فاشترى بمعنى باع وبمعنى ابتاع ، والمعنى : بئس الشيء الذي اختاروا لأنفسهم حيث استبدلوا الباطل بالحق ، والكفر بالإيمان .
قوله تعالى : بغيا معناه حسدا ، قاله
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وهو مفعول من أجله ، وهو على الحقيقة مصدر .
الأصمعي : وهو مأخوذ من قولهم : قد بغى الجرح إذا فسد . وقيل : أصله الطلب ، ولذلك سميت الزانية بغيا .
أن ينزل الله في موضع نصب ، أي لأن ينزل ، أي لأجل إنزال الله الفضل على نبيه صلى الله عليه وسلم . وقرأ
ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن " أن ينزل "
[ ص: 29 ] مخففا ، وكذلك سائر ما في القرآن ، إلا
وما ننزله في " الحجر " ، وفي " الأنعام "
على أن ينزل آية .
قوله تعالى : فباءوا أي رجعوا ، وأكثر ما يقال في الشر ، وقد تقدم .
بغضب على غضب تقدم معنى غضب الله عليهم ، وهو عقابه ، فقيل : الغضب الأول لعبادتهم العجل ، والثاني لكفرهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله
ابن عباس . وقال
عكرمة : لأنهم كفروا
بعيسى ثم كفروا
بمحمد ، يعني
اليهود . وروى
سعيد عن
قتادة : الأول لكفرهم بالإنجيل ، والثاني لكفرهم بالقرآن . وقال قوم : المراد التأبيد وشدة الحال عليهم ، لا أنه أراد غضبين معللين بمعصيتين . ومهين مأخوذ من الهوان ، وهو ما اقتضى الخلود في النار دائما بخلاف خلود العصاة من المسلمين ، فإن ذلك تمحيص لهم وتطهير ، كرجم الزاني وقطع يد السارق ، على ما يأتي بيانه في سورة " النساء " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري إن شاء الله تعالى .