الثالثة : السحر ، قيل :
السحر أصله التمويه والتخاييل ، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني ، فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي به ، كالذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء ، وكراكب السفينة السائرة سيرا حثيثا يخيل إليه أن ما يرى من الأشجار والجبال سائرة معه . وقيل : هو مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته ، وكذلك إذا عللته ، والتسحير مثله ، قال
لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر
[ ص: 43 ] آخر [ هو
امرؤ القيس ] :
أرانا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام وبالشراب
عصافير وذبان ودود وأجرأ من مجلحة الذئاب
وقوله تعالى :
إنما أنت من المسحرين يقال : المسحر الذي خلق ذا سحر ، ويقال من المعللين ، أي ممن يأكل الطعام ويشرب الشراب . وقيل : أصله الخفاء ، فإن الساحر يفعله في خفية . وقيل : أصله الصرف ، يقال : ما سحرك عن كذا ، أي ما صرفك عنه ، فالسحر مصروف عن جهته . وقيل : أصله الاستمالة ، وكل من استمالك فقد سحرك . وقيل في قوله تعالى :
بل نحن قوم مسحورون أي سحرنا فأزلنا بالتخييل عن معرفتنا . وقال
الجوهري : السحر الأخذة ، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر ، وقد سحره يسحره سحرا . والساحر : العالم ، وسحره أيضا بمعنى خدعه ، وقد ذكرناه . وقال
ابن مسعود : كنا نسمي السحر في الجاهلية العضه . والعضه عند العرب : شدة البهت وتمويه الكذب ، قال الشاعر :
أعوذ بربي من النافثا ت في عضه العاضه المعضه