الثالثة :
النسخ في كلام العرب على وجهين :
أحدهما : النقل ، كنقل كتاب من آخر . وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخا ، أعني من اللوح المحفوظ وإنزاله إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وهذا لا مدخل له في هذه الآية ، ومنه قوله تعالى :
إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون أي نأمر بنسخه وإثباته .
الثاني : الإبطال والإزالة ، وهو المقصود هنا ، وهو منقسم في اللغة على ضربين :
[ ص: 61 ] أحدهما : إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه ، ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله ، وهو معنى قوله تعالى :
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها . وفي صحيح
مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837139لم تكن نبوة قط إلا تناسخت أي تحولت من حال إلى حال ، يعني أمر الأمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : النسخ نسخ الكتاب ، والنسخ أن تزيل أمرا كان من قبل يعمل به ثم تنسخه بحادث غيره ، كالآية تنزل بأمر ثم ينسخ بأخرى . وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه ، يقال : انتسخت الشمس الظل ، والشيب الشباب . وتناسخ الورثة : أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم ، وكذلك تناسخ الأزمنة والقرون .
الثاني : إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه ، كقولهم : نسخت الريح الأثر ، ومن هذا المعنى قوله تعالى
فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف بدله . وزعم
أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني قد كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم السورة فترفع فلا تتلى ولا تكتب
قلت : ومنه ما روي عن
أبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله عنهما أن سورة " الأحزاب " كانت تعدل سورة البقرة في الطول ، على ما يأتي مبينا هناك إن شاء الله تعالى . ومما يدل على هذا ما ذكره
أبو بكر الأنباري حدثنا أبي حدثنا
نصر بن داود حدثنا
أبو عبيد حدثنا
عبد الله بن صالح عن
الليث عن
يونس وعقيل عن
ابن شهاب قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=131أبو أمامة بن سهل بن حنيف في مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن رجلا قام من الليل ليقرأ سورة من القرآن فلم يقدر على شيء منها ، وقام آخر فلم يقدر على شيء منها ، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهم : قمت الليلة يا رسول الله لأقرأ سورة من القرآن فلم أقدر على شيء منها ، فقام الآخر فقال : وأنا والله كذلك يا رسول الله ، فقام الآخر فقال : وأنا والله كذلك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها مما نسخ الله البارحة . وفي إحدى الروايات :
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب يسمع ما يحدث به
أبو أمامة فلا ينكره .