قوله تعالى :
ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون قوله تعالى :
ووصى بها إبراهيم أي بالملة ، وقيل : بالكلمة التي هي قوله : " أسلمت لرب العالمين " وهو أصوب ; لأنه أقرب مذكور ، أي قولوا أسلمنا . ووصى وأوصى لغتان
لقريش وغيرهم بمعنى ، مثل كرمنا وأكرمنا ، وقرئ بهما . وفي مصحف
عبد الله " ووصى " ، وفي مصحف
عثمان " وأوصى " وهي قراءة
أهل المدينة والشام . الباقون " ووصى " وفيه معنى التكثير . "
وإبراهيم " رفع بفعله ، " ويعقوب " عطف عليه ، وقيل : هو مقطوع مستأنف ، والمعنى : وأوصى
يعقوب وقال يا بني إن الله اصطفى لكم الدين ، فيكون
إبراهيم قد وصى بنيه ، ثم وصى بعده
يعقوب بنيه .
وبنو إبراهيم :
إسماعيل ، وأمه
هاجر القبطية ، وهو أكبر ولده ، نقله
إبراهيم إلى
مكة وهو
[ ص: 128 ] رضيع . وقيل : كان له سنتان ، وقيل : كان له أربع عشرة سنة ، والأول أصح ، على ما يأتي في سورة
إبراهيم بيانه إن شاء الله تعالى ، وولد قبل أخيه
إسحاق بأربع عشرة سنة ، ومات وله مائة وسبع وثلاثون سنة . وقيل : مائة وثلاثون . وكان سنه لما مات أبوه
إبراهيم عليهما السلام تسعا وثمانين سنة ، وهو الذبيح في قول .
وإسحاق أمه
سارة ، وهو الذبيح في قول آخر ، وهو الأصح ، على ما يأتي بيانه في سورة " والصافات " إن شاء الله . ومن ولده
الروم واليونان والأرمن ومن يجري مجراهم
وبنو إسرائيل . وعاش
إسحاق مائة وثمانين سنة ، ومات
بالأرض المقدسة ودفن عند أبيه
إبراهيم الخليل عليهما السلام . ثم لما توفيت
سارة تزوج
إبراهيم عليه السلام
قنطورا بنت يقطن الكنعانية ، فولدت له
مدين ،
ومداين ،
ونهشان ،
وزمران ،
ونشيق ،
وشيوخ ، ثم توفي عليه السلام . وكان بين وفاته وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم نحو من ألفي سنة وستمائة سنة
واليهود ينقصون من ذلك نحوا من أربعمائة سنة . وسيأتي ذكر أولاد
يعقوب في سورة " يوسف " إن شاء الله تعالى . وقرأ
عمرو بن فائد الأسواري وإسماعيل بن عبد الله المكي :
ويعقوب بالنصب عطفا على بنيه ، فيكون يعقوب داخلا فيمن أوصى . قال
القشيري : وقرئ يعقوب بالنصب عطفا على بنيه وهو بعيد ; لأن
يعقوب لم يكن فيما بين أولاد إبراهيم لما وصاهم ، ولم ينقل أن
يعقوب أدرك جده
إبراهيم ، وإنما ولد بعد موت
إبراهيم ، وأن
يعقوب أوصى بنيه أيضا كما فعل
إبراهيم . وسيأتي تسمية أولاد
يعقوب إن شاء الله تعالى .
قال
الكلبي : لما دخل
يعقوب إلى
مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران والبقر ، فجمع ولده وخاف عليهم وقال :
ما تعبدون من بعدي ؟
ويقال : إنما سمي
يعقوب لأنه كان هو
والعيص توأمين ، فخرج من بطن أمه آخذا بعقب أخيه
العيص . وفي ذلك نظر ; لأن هذا اشتقاق عربي ، ويعقوب اسم أعجمي ، وإن كان قد وافق العربية في التسمية به كذكر الحجل . عاش عليه السلام مائة وسبعا وأربعين سنة ومات
بمصر ، وأوصى أن يحمل إلى الأرض المقدسة ، ويدفن عند أبيه
إسحاق ، فحمله
يوسف ودفنه عنده .
قوله تعالى : يا بني معناه أن يا بني ، وكذلك هو في قراءة
أبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود والضحاك . قال
الفراء : ألغيت أن لأن التوصية كالقول ، وكل كلام يرجع إلى القول جاز فيه دخول أن وجاز فيه إلغاؤها . قال : وقول النحويين إنما أراد " أن " فألغيت ليس بشيء .
النحاس : يا بني نداء مضاف ، وهذه ياء النفس لا يجوز هنا إلا فتحها ; لأنها لو سكنت لالتقى ساكنان ،
[ ص: 129 ] ومثله بمصرخي . إن الله كسرت إن لأن أوصى وقال واحد . وقيل : على إضمار القول . اصطفى اختار . قال الراجز :
يا بن ملوك ورثوا الأملاكا خلافة الله التي أعطاكا لك اصطفاها ولها اصطفاكا
لكم الدين أي الإسلام ، والألف واللام في " الدين " للعهد ; لأنهم قد كانوا عرفوه . فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون إيجاز بليغ . والمعنى : الزموا الإسلام ودوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا . فأتى بلفظ موجز يتضمن المقصود ، ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت ، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى ، فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه ، فقد توجه الخطاب من وقت الأمر دائبا لازما . لا نهي تموتن في موضع جزم بالنهي ، أكد بالنون الثقيلة ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين . إلا وأنتم مسلمون ابتداء وخبر في موضع الحال ، أي محسنون بربكم الظن ، وقيل مخلصون ، وقيل مفوضون ، وقيل مؤمنون .