قوله تعالى :
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم فيه تسع مسائل :
الأولى : روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عاصم بن سليمان قال : سألت
أنس بن مالك عن
الصفا والمروة فقال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وخرج
الترمذي عن
عروة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837259قلت nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا ، وما أبالي ألا أطوف بينهما . فقالت : بئس ما قلت يا ابن أختي ! طاف [ ص: 167 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون ، وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولو كانت كما تقول لكانت : " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " قال
الزهري : فذكرت ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11947لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال : إن هذا لعلم ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنما كان من لا يطوف بين
الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية . وقال آخرون من
الأنصار : إنما أمرنا بالطواف [ بالبيت ] ولم نؤمر به بين
الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى :
إن الصفا والمروة من شعائر الله قال
أبو بكر بن عبد الرحمن : فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء . قال : " هذا حديث حسن صحيح " . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بمعناه ، وفيه بعد قوله فأنزل الله تعالى
إن الصفا والمروة من شعائر الله : قالت
عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=837260وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، ثم أخبرت
أبا بكر بن عبد الرحمن فقال : إن هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت
عائشة - ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم
بالصفا والمروة ، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر
الصفا والمروة في القرآن قالوا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837261يا رسول الله ، كنا نطوف بالصفا والمروة ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة ؟ فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية . قال
أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما : في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية
بالصفا والمروة ، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام ، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ، ولم يذكر
الصفا حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت " . وروى
الترمذي عن
عاصم بن سليمان الأحول قال : سألت
أنس بن مالك عن
الصفا والمروة فقال : كانا من شعائر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل :
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ ص: 168 ] قال : هما تطوع
ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال : هذا حديث حسن صحيح . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا . وعن
ابن عباس قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=837262كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل كله بين الصفا والمروة وكان بينهما آلهة ، فلما ظهر الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله ، لا نطوف بين الصفا والمروة فإنهما شرك ، فنزلت . وقال
الشعبي : كان على
الصفا في الجاهلية صنم يسمى " إسافا " وعلى
المروة صنم يسمى " نائلة " فكانوا يمسحونهما إذا طافوا ، فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك ، فنزلت الآية .
الثانية :
أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس ، وهو هنا جبل
بمكة معروف ، وكذلك
المروة جبل أيضا ، ولذلك أخرجهما بلفظ التعريف . وذكر
الصفا لأن
آدم المصطفى صلى الله عليه وسلم وقف عليه فسمي به ، ووقفت
حواء على
المروة فسميت باسم المرأة ، فأنث لذلك ، والله أعلم . وقال
الشعبي : كان على
الصفا صنم يسمى [ إسافا ] وعلى
المروة صنم يدعى [ نائلة ] فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر ، وهذا حسن ; لأن الأحاديث المذكورة تدل على هذا المعنى . وما كان كراهة من كره الطواف بينهما إلا من أجل هذا ، حتى رفع الله الحرج في ذلك . وزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في
الكعبة فمسخهما الله حجرين فوضعهما على
الصفا والمروة ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا من دون الله ، والله تعالى أعلم .
والصفا ( مقصور ) : جمع صفاة ، وهي الحجارة الملس . وقيل :
الصفا اسم مفرد ، وجمعه صفي ( بضم الصاد ) وأصفاء على مثل أرحاء . قال الراجز [ هو
الأخيل ] :
كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي
وقيل : من شروط
الصفا البياض والصلابة ، واشتقاقه من صفا يصفو ، أي خلص من التراب والطين .
والمروة ( واحدة المرو ) وهي الحجارة الصغار التي فيها لين . وقد قيل إنها الصلاب . والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى وترق حاشيته ، وفي هذا يقال : المرو أكثر ويقال في الصليب . قال الشاعر :
وتولى الأرض خفا ذابلا فإذا ما صادف المرو رضخ
[ ص: 169 ] وقال
أبو ذؤيب :
حتى كأن للحوادث مروة بصفا المشقر كل يوم تقرع
وقد قيل : إنها الحجارة السود . وقيل : حجارة بيض براقة تكون فيها النار .
الثالثة : من شعائر الله أي من معالمه ومواضع عباداته ، وهي جمع شعيرة . والشعائر : المتعبدات التي أشعرها الله تعالى ، أي جعلها أعلاما للناس ، من الموقف والسعي والنحر . والشعار : العلامة ، يقال : أشعر الهدي أعلمه بغرز حديدة في سنامه ، من قولك : أشعرت أي أعلمت ، وقال
الكميت :
نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقرب
الرابعة :
قوله تعالى : فمن حج البيت أي قصد .
وأصل الحج القصد ، قال الشاعر :
فأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا
السب : لفظ مشترك . قال
أبو عبيدة : السب ( بالكسر ) الكثير السباب . وسبك أيضا الذي يسابك ، قال الشاعر [ هو
عبد الرحمن بن حسان ] :
لا تسبنني فلست بسبي إن سبي من الرجال الكريم
والسب أيضا الخمار ، وكذلك العمامة ، قال
المخبل السعدي :
يحجون سب الزبرقان المزعفرا
والسب أيضا الحبل في لغة هذيل ، قال
أبو ذؤيب :
تدلى عليها بين سب وخيطة بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها
والسبوب : الحبال . والسب : شقة كتان رقيقة ، والسبيبة مثله ، والجمع السبوب والسبائب ، قاله
الجوهري . وحج الطبيب الشجة إذا سبرها بالميل ، قال الشاعر [ هو
عذار بن درة الطائي ] :
يحج مأمومة في قعرها لجف
[ ص: 170 ] اللجف : الخسف . تلجفت البئر : انخسف أسفلها . ثم اختص هذا الاسم بالقصد إلى البيت الحرام لأفعال مخصوصة .
الخامسة : قوله تعالى : أو اعتمر أي زار والعمرة : الزيارة ، قال الشاعر [ هو
العجاج ] :
لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر
السادسة : قوله تعالى :
فلا جناح عليه أي لا إثم . وأصله من الجنوح وهو الميل ، ومنه الجوانح للأعضاء لاعوجاجها . وقد تقدم تأويل
عائشة لهذه الآية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : " وتحقيق القول فيه أن قول القائل : لا جناح عليك أن تفعل ، إباحة الفعل . وقوله : لا جناح عليك ألا تفعل ، إباحة لترك الفعل ، فلما سمع
عروة قول الله تعالى :
فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : هذا دليل على أن ترك الطواف جائز ، ثم رأى الشريعة مطبقة على أن
الطواف لا رخصة في تركه فطلب الجمع بين هذين المتعارضين . فقالت له
عائشة : ليس قوله :
فلا جناح عليه أن يطوف بهما دليلا على ترك الطواف ، إنما كان يكون دليلا على تركه لو كان " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف ، ولا فيه دليل عليه ، وإنما جاء لإفادة إباحة الطواف لمن كان يتحرج منه في الجاهلية ، أو لمن كان يطوف به في الجاهلية قصدا للأصنام التي كانت فيه ، فأعلمهم الله سبحانه أن الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصدا باطلا " .
فإن قيل : فقد روى
عطاء عن
ابن عباس أنه قرأ " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " وهي قراءة
ابن مسعود ، ويروى أنها في مصحف
أبي كذلك ، ويروى عن
أنس مثل هذا . والجواب أن ذلك خلاف ما في المصحف ، ولا يترك ما قد ثبت في المصحف إلى قراءة لا يدرى أصحت أم لا ، وكان
عطاء يكثر الإرسال عن
ابن عباس من غير سماع . والرواية في هذا عن
أنس قد قيل إنها ليست بالمضبوطة ، أو تكون " لا " زائدة للتوكيد ، كما قال :
وما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندرا
السابعة : روى
الترمذي عن
جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=837263أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وصلى خلف المقام ، ثم أتى الحجر فاستلمه ثم قال : ( نبدأ بما بدأ الله به ) فبدأ
بالصفا وقال إن الصفا والمروة من شعائر الله قال : هذا
[ ص: 171 ] حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يبدأ
بالصفا قبل
المروة ، فإن بدأ
بالمروة قبل
الصفا لم يجزه ويبدأ
بالصفا .
الثامنة : واختلف العلماء في وجوب
السعي بين الصفا والمروة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل : هو ركن ، وهو المشهور من مذهب
مالك ، لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837264اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني . وكتب بمعنى أوجب ، لقوله تعالى :
كتب عليكم الصيام وقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837265خمس صلوات كتبهن الله على العباد . وخرج
ابن ماجه عن
أم ولد لشيبة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837266رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول : لا يقطع الأبطح إلا شدا فمن تركه أو شوطا منه ناسيا أو عامدا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة فيطوف ويسعى ، لأن السعي لا يكون إلا متصلا بالطواف . وسواء عند
مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن في العمرة فرضا ، فإن كان قد أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند
مالك مع تمام مناسكه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : عليه هدي ، ولا معنى للعمرة إذا رجع وطاف وسعى . وقال
أبو حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : ليس بواجب ، فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم ; لأنه سنة من سنن الحج . وهو قول
مالك في العتبية . وروي عن
ابن عباس وابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين أنه تطوع ، لقوله تعالى :
ومن تطوع خيرا . وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " يطوع " مضارع مجزوم ، وكذلك
فمن تطوع خيرا فهو خير له الباقون تطوع ماض ، وهو ما يأتيه المؤمن من قبل نفسه فمن أتى بشيء من النوافل فإن الله يشكره . وشكر الله للعبد إثابته على الطاعة . والصحيح ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى لما ذكرنا ، وقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836654خذوا عني مناسككم فصار بيانا لمجمل الحج ، فالواجب أن يكون فرضا ، كبيانه لعدد الركعات ، وما كان مثل ذلك إذا لم يتفق على أنه سنة أو تطوع .
[ ص: 172 ] وقال
طليب : رأى
ابن عباس قوما يطوفون بين
الصفا والمروة فقال : هذا ما أورثتكم أمكم أم إسماعيل .
قلت : وهذا ثابت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على ما يأتي بيانه في سورة "
إبراهيم " .
التاسعة :
ولا يجوز أن يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر ، فإن طاف معذورا فعليه دم ، وإن طاف غير معذور أعاد إن كان بحضرة البيت ، وإن غاب عنه أهدى . إنما قلنا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بنفسه وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836654خذوا عني مناسككم . وإنما جوزنا ذلك من العذر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره واستلم الركن بمحجنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=837267وقال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة وقد قالت له : إني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة . وفرق أصحابنا بين أن يطوف على بعير أو يطوف على ظهر إنسان ، فإن
طاف على ظهر إنسان لم يجزه ; لأنه حينئذ لا يكون طائفا ، وإنما الطائف الحامل . وإذا طاف على بعير يكون هو الطائف . قال
ابن خويز منداد : وهذه تفرقة اختيار ، وأما الإجزاء فيجزئ ، ألا ترى أنه لو
أغمي عليه فطيف به محمولا ، أو وقف به بعرفات محمولا كان مجزئا عنه .