قوله تعالى :
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام
الأولى : قوله تعالى :
ومن الناس من يعجبك قوله لما ذكر الذين قصرت همتهم على الدنيا - في قوله :
فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا - والمؤمنين الذين سألوا خير الدارين ذكر المنافقين لأنهم أظهروا الإيمان وأسروا الكفر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره من المفسرين : نزلت في
الأخنس بن شريق ، واسمه أبي ،
والأخنس لقب لقب به ؛ لأنه خنس يوم
بدر بثلاثمائة رجل من حلفائه من
بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما يأتي في " آل عمران " بيانه . وكان رجلا حلو القول والمنظر ، فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام وقال : الله يعلم أنى صادق ، ثم هرب بعد ذلك ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وبحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر . قال
المهدوي : وفيه نزلت
ولا تطع كل حلاف مهين .
هماز مشاء بنميم [ ص: 16 ] و
ويل لكل همزة لمزة . قال
ابن عطية : ما ثبت قط أن
الأخنس أسلم . وقال
ابن عباس : ( نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة
الرجيع :
عاصم بن ثابت ،
وخبيب ، وغيرهم ، وقالوا : ويح هؤلاء القوم ، لا هم قعدوا في بيوتهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ) ، فنزلت هذه الآية في صفات المنافقين ، ثم ذكر المستشهدين في غزوة
الرجيع في قوله :
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله . وقال
قتادة ومجاهد وجماعة من العلماء : نزلت في كل مبطن كفرا أو نفاقا أو كذبا أو إضرارا ، وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك ، فهي عامة ، وهي تشبه ما ورد في
الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837626إن من عباد الله قوما ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، يشترون الدنيا بالدين ، يقول الله تعالى : أبي يغترون ، وعلي يجترئون ، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا . ومعنى
ويشهد الله أي يقول : الله يعلم أني أقول حقا . وقرأ
ابن محيصن ويشهد الله على ما في قلبه بفتح الياء والهاء في " يشهد " ، " الله " بالرفع ، والمعنى يعجبك قوله ، والله يعلم منه خلاف ما قال . دليله قوله :
والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . وقراءة
ابن عباس : " والله يشهد على ما في قلبه " . وقراءة الجماعة أبلغ في الذم ؛ لأنه قوي على نفسه التزام الكلام الحسن ، ثم ظهر من باطنه خلافه . وقرأ
أبي وابن مسعود : " ويستشهد الله على ما في قلبه " وهي حجة لقراءة الجماعة .
الثانية : قال علماؤنا : وفي هذه الآية دليل وتنبيه على
الاحتياط فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا ،
واستبراء أحوال الشهود والقضاة ، وأن
الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم ؛ لأن الله تعالى بين أحوال الناس ، وأن منهم من يظهر قولا جميلا وهو ينوي قبيحا .
فإن قيل : هذا يعارضه قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830133أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث ، وقوله : فأقضي له على نحو ما أسمع ، فالجواب أن هذا كان في صدر الإسلام ، حيث كان إسلامهم سلامتهم ، وأما وقد عم الفساد فلا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .
قلت : والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يتبين خلافه ، لقول
عمر بن الخطاب [ ص: 17 ] رضي الله عنه في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : أيها الناس ، إن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة .
الثالثة : قوله تعالى :
وهو ألد الخصام الألد : الشديد الخصومة ، وهو رجل ألد ، وامرأة لداء ، وهم أهل لدد . وقد لددت - بكسر الدال - تلد - بالفتح - لددا ، أي صرت ألد . ولددته - بفتح الدال - ألده - بضمها - إذا جادلته فغلبته . والألد مشتق من اللديدين ، وهما صفحتا العنق ، أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب . قال الشاعر :
وألد ذي حنق علي كأنما تغلي عداوة صدره في مرجل
وقال آخر :
إن تحت التراب عزما وحزما وخصيما ألد ذا مغلاق
و الخصام في الآية مصدر خاصم ، قاله
الخليل . وقيل : جمع خصم ، قاله
الزجاج ، ككلب وكلاب ، وصعب وصعاب ، وضخم وضخام . والمعنى أشد المخاصمين خصومة ، أي هو ذو جدال ، إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنه باطل . وهذا يدل على أن الجدال لا يجوز إلا بما ظاهره وباطنه سواء . وفي صحيح
مسلم عن
عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830442إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم .